في تفسير سورة الماعون
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلى
طَعامِ الْمِسْكِينِ (١) و (٣)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة قريش المتضمّنة لبيان إنعامه ومنّته على قريش بدفع أصحاب الفيل عن البيت الذي هو سبب عزّهم وسعة معاشهم وآمنهم من خوف الأعداء ، نظمت سورة الماعون المتضمّنة لبيان كفرهم وكفرانهم بنعم الله ، وبخلهم على الفقراء ، وظلمهم على اليتيم ، طغيانا على الله ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بذمّ بعض قريش ، وإظهار التعجّب من كفرهم وطغيانهم بقوله : ﴿أَرَأَيْتَ﴾ يا محمد ، الكافر العنود ﴿الَّذِي يُكَذِّبُ﴾ عنادا ولجاجا ﴿بِالدِّينِ﴾ وجزاء الأعمال وبدين الاسلام ، وإن أردت أن تعرفه ﴿فَذلِكَ﴾ الكافر هو الظالم ﴿الَّذِي يَدُعُ﴾ ويدفع الطفل ﴿الْيَتِيمَ﴾ عن حقّه ظلما وجفوة.
روي أن أبا جهل كان وصيا ليتيم فجاءه يوما عريانا يسأله من مال نفسه ، فدفعه دفعا شنيعا ، فأيس الصبيّ ، فقال له بعض أكابر قريش : قل لمحمد يشفع لك ، وكان غرضهم الاستهزاء به ، والنبي صلىاللهعليهوآله ما كان يردّ محتاجا ، فذهب معه إلى أبي جهل ، فرحّب به وبذل المال لليتيم ، فعيّره قريش ، وقالوا له : صبوت ! فقال : لا والله ما صبوت ، ولكن رأيت عن يمينه وعن يساره حربة [ خفت ] إن لم اجبه يطعنها فيّ (١) .
وعن القمي رحمهالله قال : نزلت في أبي جهل وكفّار قريش (٢) .
وقيل : نزلت في أبي سفيان ، كان ينحر جزورين في كلّ اسبوع ، فأتاه يتيم فساله لحما ، فقرعه بعصاه (٣) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١١١.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٤٤٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٨٠.
(٣) مجمع البيان ١٠ : ٨٣٤ ، تفسير الرازي ٣٢ : ١١١.