بعضهم مع بعض أن يقولوا هذا القول ، لا ليس توافقهم عليه لتوصيتهم بذلك ، لبعد زمانهم ، وعدم تلاقيهم في وقت ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ﴾ مشركون في عداوة الله والإعراض عن الحقّ ، فاشتركوا في التفوّه بتلك الكلمة الشنيعة ﴿فَتَوَلَ﴾ يا محمد وأعرض ﴿عَنْهُمْ﴾ فإنّك قد بالغت في دعوتهم ، وأتعبت نفسك في نصحهم ووعظهم ، وأتممت الحجّة عليهم ﴿فَما أَنْتَ﴾ بعد ذلك ﴿بِمَلُومٍ﴾ في تركهم والإعراض عنهم ، فان كنت رحيما وعطوفا بهم ، ولا تريد أن تدعهم بالكلية ﴿وَذَكِّرْ﴾ وعظ الناس ﴿فَإِنَّ الذِّكْرى﴾ والعظة وبيان العلوم والمعارف وامور الآخرة ﴿تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ حيث إنّها تنوّر قلوبهم ، وتزيد في إيمانهم ورغبتهم إلى الطاعة والعبادة.
عنهما عليهماالسلام قالا : « إنّ الناس لمّا كذبوا رسول الله صلىاللهعليهوآله همّ الله بإهلاك أهل الأرض إلّا عليا فما سواه بقوله : ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ﴾ ثمّ بدا له فرحم المؤمنين ، ثمّ قال لنبيه صلىاللهعليهوآله : ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ » (١) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام « لمّا نزلت ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ لم يبق أحد منّا إلّا أيقن بالهلكة ، فلمّا نزل ﴿وَذَكِّرْ﴾ ... الآية طابت أنفسنا » (٢) .
﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦)﴾
ثمّ لمّا كان ازدياد المعرفة ورغبة المؤمنين في العبادة من منافع التذكير ، بيّن سبحانه أنّ معرفته وعبادته هو الغرض من الخلقة بقوله : ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَ﴾ أولا وهم أعمّ من الملك ﴿وَالْإِنْسَ﴾ بعدهم لغرض من الأغراض وحكمة من الحكم ﴿إِلَّا﴾ ليعرفون ربّهم بالوجود والحكمة والقدرة وسائر الصفات الجمالية والجلالية و﴿لِيَعْبُدُونِ﴾ خالقهم ، فيستكملوا بالعلم والعبادة ، ويستعدّوا للنيل بالفيوضات الأبدية ، ويستأهلوا للحياة الدائمة والنّعم الباقية ، والكرامات الفائقة غير المتناهية.
عن الصادق عليهالسلام ، قال : « خرج الحسين بن علي عليهالسلام على أصحابه ، فقال : أيّها الناس ، إنّ الله ما خلق العباد إلّا ليعرفوه ، فاذا عرفوه عبدوه ، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه » فقال رجل : يابن رسول الله ، بأبي أنت وأمّي ، فما معرفة الله ؟ قال : « معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته » (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « خلقهم ليأمرهم بالعبادة » قيل : قوله تعالى : ﴿وَلا
__________________
(١) الكافي ٨ : ١٠٣ / ٧٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٧٤.
(٢) مجمع البيان ٩ : ٢٤٣ ، تفسير الصافي ٥ : ٧٥.
(٣) علل الشرائع : ٩ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ٧٥.