في تفسير سورة الكوثر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الماعون المتضمّنة لذمّ المنافقين بترك الصلاة والرياء بها والبخل ، نظمت سورة الكوثر المتضمّنة لأمر النبي صلىاللهعليهوآله بالصلاة الخالصة ، ونحر البدن ، وإطعام الفقراء ، فافتتحها بذكر الاسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بذكر غاية إنعامه على النبي صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿إِنَّا أَعْطَيْناكَ﴾ يا محمد ، من خزائن رحمتنا إنعاما عليك لكرامتك علينا ونهاية محبوبيتك عندنا ﴿الْكَوْثَرَ﴾ وهو النهر في الجنة فيه خير كثير على المشهور بين السلف والخلف من مفسّري العامة على ما قيل (١) ، لما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « رأيت نهرا في الجنّة ، حافتاه قباب اللؤلؤ المجوّف ، فضربت بيدي على مجرى الماء ، فاذا أنا بمسك أذفر ، فقلت : ما هذا ؟ قيل : الكوثر الذي أعطاك الله » (٢) .
وروي عنه صلىاللهعليهوآله أنّه قرأ السورة فقال : « أتدرون ما الكوثر ؟ إنّه نهر في الجنّة ، وعدنيه ربي فيه خيرا كثيرا ، أحلى من العسل ، وأشدّ بياضا من اللبن ، وأبرد من الثلج ، وألين من الزّبد ، حافتاه الزّبرجد ، وأوانيه من فضّة عدد نجوم السماء ، لا يضمأ من شرب منه أبدا ، أول وارديه فقراء المهاجرين الدنسو الثياب الشّعث الرؤوس » (٣) .
وقيل : إنّه حوضه ، وسمّي الكوثر لكثرة وارديه (٤) . وفي الحديث : « حوضي ما بين صنعاء إلى أيلة » (٥) . قيل في التوفيق بين الروايتين : إنّ النهر ينصبّ في الحوض ، أو يسيل منه ، فيكون الحوض كالمنبع له (٦) .
وقيل : إنّ المراد بالكوثر الخير الكثير ، كما عن ابن عباس (٧) ، روي أنّه فسّر الكوثر بالخير الكثير ، فقال له سعيد بن جبير : إنّ ناسا يقولون هو نهر في الجنة ؟ فقال : هو من الخير الكثير (٨) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٢٤.
(٢) تفسير الرازي ٣٢ : ١٢٤.
(٣) تفسير أبي السعود ٩ : ٢٠٥ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٢٤.
(٤و٥) تفسير روح البيان ١٠ : ٥٢٤.
(٦) تفسير الرازي ٣٢ : ١٢٤.
(٧) تفسير روح البيان ١٠ : ٥٢٤.
(٨) تفسير روح البيان ١٠ : ٥٢٤.