ولأهل مودّتنا الشفاعة ، فتنافسو في لقائنا على الحوض ، فإنّا نذود عنه أعداءنا ، ونسقي منه أحباءنا وأولياءنا ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، حوضنا فيه مثعبان (١) ينصبّان من الجنّة : أحدهما من تسنيم ، والآخر من معين ، على حافته الزعفران ، وحصاه اللؤلؤ ، وهو الكوثر » (٢) .
﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٢) و (٣)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد ما فضّل نبيه صلىاللهعليهوآله على العالمين بإعطائه الكوثر ، طالبه بشكره بأمره بالقيام بعبوديته وتعظيمه بقوله : ﴿فَصَلِ﴾ يا حبيبي الصلاة التي هي جامعة لجميع وظائف العبودية وشؤون التعظيم ﴿لِرَبِّكَ﴾ المتفضّل عليك بالنّعم التي لا تحصى أداء لشكره عليها.
قيل : إنّه تعالى لمّا أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بالصلاة قال صلىاللهعليهوآله : « كيف اصلي ، ولست على وضوء ؟ » فقال الله ﴿إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ﴾ ثمّ ضرب جبرئيل بجناحه على الأرض ، فنبع ماء الكوثر فتوضّأ (٣) .
ثمّ أمره بأفضل العبادات المالية بقوله : ﴿وَانْحَرْ﴾ البدن التي هي أنفس الأموال عند العرب. وقيل : لمّا كانت صلاة المشركين ونحرهم للأصنام ، قال سبحانه : لتكن صلاتك ونحرك لربّك (٤) .
وقيل : اريد بالصلاة صلاة العيد الأضحى ، وبالنحر النحر للأضحية (٥) .
وقيل : يعني صلاة الفجر بالمزدلفة ، والنحر بمنى (٦) .
وقيل : يعني استقبل في الصلاة بنحرك إلى القبلة (٧) .
وقيل : يعني ارفع يديك إلى نحرك عند تكبيرات الصلاة (٨) .
روى بعض العامة عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « لمّا نزلت هذه السورة قال النبي صلىاللهعليهوآله لجبرئيل : ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربّي ؟ قال : ليست بنحيرة ، ولكنّه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من السجود وإذا سجدت ، فانّه صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السماوات السبع ، وإنّ لكلّ شيء زينة وزينة الصلاه رفع اليدين عند كلّ تكبير» (٩) .
ورووا عنه عليهالسلام أنّه فسّر هذا بوضع اليدين على النحر في الصلاة ، وقال : رفع اليدين قبل الصلاة عادة المستجير العائذ ، ووضعها على النحر عادة الخاضع الخاشع (١٠) .
__________________
(١) في النسخة : مشعبان ، والمثعب : مسيل المياه.
(٢) الخصال : ٦٢٤ / ١٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٨٣.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ١٢٩.
(٤) تفسير الرازي ٣٢ : ١٣٠.
(٥) تفسير الرازي ٣٢ : ١٣٠ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٢٥.
(٦) تفسير الرازي ٣٢ : ١٣٠ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٢٠٥.
(٧) تفسير أبي السعود ٩ : ٢٠٥.
(٨) جوامع الجامع : ٥٥٤ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٢٠٥.
(٩) مجمع البيان ١٠ : ٨٣٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٨٣ ، تفسير الرازي ٣٢ : ١٢٩.
(١٠) تفسير الرازي ٣٢ : ١٢٩.