في تفسير سورة الكافرون
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ * لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ * وَلا
أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (١) و (٥)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة ثمّ لمّا ختمت سورة الكوثر المتضمّنة لغاية إنعام الله وتفضّله على رسوله وأمره بعبادته ، نظمت سورة الجحد المتضمّنة لامتناع الرسول صلىاللهعليهوآله عن عبادة غير الله ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ خاطب نبيّه بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد تقريعا للمشركين الذين طعنوا فيك بأنّك أبتر ﴿يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ﴾ قيل : في ندائهم بهذا الوصف الذي يسترذلونه في بلدهم ودار عزّهم وشوكتهم ، إيذان بذلّهم ، وكونه صلىاللهعليهوآله محروسا منهم (١) ، وأنّه مؤيّد من الله.
روي أنّ رهطا من عتاة المشركين كالوليد بن المغيرة وأبي جهل والعاص بن وائل وأمية بن خلف والأسود بن عبد يغوث والحارث بن قيس وأضرابهم ، قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله : هلمّ فاتّبع ديننا ونتّبع دينك ، تعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة ، فيحصل الصّلح بيننا وبينك ، وتزول العداوة. فقال : « معاذ الله أن اشرك بالله غيره » فقالوا : استلم بعض آلهتنا نصدّقك ونعبد إلهك ، فنزلت (٢) السورة : ﴿يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ * لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ﴾ من دون الله أبدا ﴿وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ﴾ بعد ﴿ما أَعْبُدُ﴾ الله الواحد الذي لا إله غيره ﴿وَلا أَنا عابِدٌ﴾ في حال من الأحوال ﴿ما عَبَدْتُّمْ﴾ من الأصنام والكواكب ، فلا تطمعوا منّي ذلك الأمر المحال ﴿وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ﴾ في وقت من الأوقات ﴿ما أَعْبُدُ﴾ وهو الله الواحد الذي خلق جميع الأشياء بقدرته ، لتصلّبكم في دينكم الباطل ، ولجاجكم وعنادكم للحقّ. قيل : إنّ التّكرار للتأكيد (٣) ، فانّ الكفّار - على ما قيل - رجعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله في ذلك مرارا ، وسكت
__________________
(١و٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٥٢٦.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ١٤٥.