الرسول صلىاللهعليهوآله عن جوابهم ، فوقع في قلوبهم أنّه قد مال إلى دينهم بعض الميل ، فنزلت الآية مكرّرا (١) .
وقيل : إنّ الكفّار قالوا : استلم بعض آلهتنا حتى نؤمن لك ، فأنزل الله : ﴿لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ* وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ﴾ ثمّ قالوا بعد مدّة : تعبد آلهتنا شهرا أو سنه ، ونعبد إلهك شهرا أو سنه ، فأنزل : ﴿وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ* وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ﴾(٢) .
وذكر كلمة ﴿ما﴾ في قوله : ﴿ما أَعْبُدُ﴾ مع أنّها لغير ذوي العقول ، لإرادة الصفة بها ، والمعنى : لا أعبد الباطل الذي تعبدونه ، ولا أنتم عابدون الحقّ الذي أعبد ، كذا قيل (٣) . وقيل : إنّها بمعنى ( الذي ) (٤) أو مصدرية ، والمعنى ، لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي في المستقبل ، ثمّ قال ثانيا : لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي في الحال (٥) .
وقيل : إنّ ذكرها لا تساق الكلام ، فانّه تعالى لمّا قال أولا ﴿وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ﴾ حمل الثاني عليه ، كما قال : ﴿جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾(٦) .
﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)﴾
ثمّ كأنّه قال : إنّ أردتم الصّلح ، فانّ الصّلح بيننا وبينكم أن ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ﴾ لا تتركونه ﴿وَلِيَ دِينِ﴾ لا أتركه ولا أرفضه.
عن ابن عباس قال : يريد لكم كفركم بالله ، ولي التوحيد الخالص (٧) .
وقيل : لكم دينكم فكونوا عليه إن كان الهلاك خيرا لكم (٨) .
وقيل : إنّ الدين هو الحساب ، والمعنى : لكم حسابكم ، ولي حساب أعمالي ، لا يرجع عمل كلّ إلّا على عامله (٩) .
وقيل : يعني لكم جزاء أعمالكم ودينكم وبالا وعقابا ، ولي جزاء ديني ثوابا وتعظيما (١٠) .
وقيل : إنّ الدين هو العقوبة (١١) ، والمعني : لكم العقوبة من ربّي ، ولي العقوبة من أصنامكم ، وفيه تهديد وتهكّم (١٢) .
عن الصدوق في ( الامالي ) : شأن نزول السورة أنّ نفرا من قريش اعترضوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله منهم: عتبة بن ربيعة وامية بن خلف والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل أو سعد (١٣) ، فقالوا : يا محمد ، هلمّ فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، فنشترك نحن وأنت في الأمر ، فان يكن الذي نحن عليه حقّا فقد
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٤٦.
( ٢- ٥ ) تفسير الرازي ٣٢ : ١٤٦.
(٦) تفسير الرازي ٣٢ : ١٤٦ ، والآية من سورة الشورى : ٤٢ / ٤٠.
(٧) تفسير الرازي ٣٢ : ١٤٧ ، وفيه : التوحيد والإخلاص له.
(٨ و٩) تفسير الرازي ٣٢ : ١٤٧.
(١٠- ١٢) تفسير الرازي ٣٢ : ١٤٧.
(١٣) في أمالي الطوسي : العاص بن سعيد ، وفي مجمع البيان ١٠ : ٨٤٠ ، العاص بن أبي وائل.