في تفسير سورة النصر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الجحد المتضمّنة لأمر النبي صلىاللهعليهوآله بخطاب أهل مكّة بأشنع الخطاب ، والإعلان بالتبري من عبادة أصنامهم المؤذن جميع ذلك بعدم مبالاته إياهم ، وكونه محروسا منهم ومنصورا عليهم ، نظمت سورة النصر المبشّرة بنصرته على الكفّار ، ودخول الناس في دينه ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بتبشير نبيّه صلىاللهعليهوآله بالنصر والغلبة على الكفّار ، وفتح مكّة الذي كان من أهمّ مطالبه بقوله : ﴿إِذا جاءَ﴾ ك يا محمد ﴿نَصْرُ اللهِ﴾ والغلبة التامة على أعداء الدين من قريش وسائر العرب ﴿وَالْفَتْحُ﴾ الذي تأمله وتنتظره بسبب نصر الله وإعانته إياك عليه ، وهو فتح مكّة التي هي مولدك ومسكن آبائك.
قيل : لمّا قال : ﴿يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ﴾ خاف من قريش وسائر العرب بعض الخوف ، فقلّل في الخشونة وقال : ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ فآمنه تعالى وقال : لا تخف فإنّي لا أذهب بك إلى النصر ، بل أجيء بالنصر إليك (١) .
عن ابن عباس : الفتح هو فتح مكّة ، وهو الفتح الذي يقال له فتح الفتوح (٢) .
روي أنّه لمّا كان صلح الحديبية ، وانصرف رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أغار بعض من كان على عهد قريش على خزاعة ، وكانوا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فجاء سفير ذلك القوم وأخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله فعظم ذلك عليه ، ثمّ قال : أما إنّ هذا العارض يخبرني أنّ الظّفر يجيء من الله ، ثمّ قال لأصحابه : انظروا. فانّ أبا سفيان يجيء ويلتمس أن يجدّد العهد ، فلم تمض إلّا ساعة أن جاء الرجل ملتمسا لذلك ، فلم يجبه رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا أكابر الصحابة ، فالتجأ ، إلى فاطمة ، فلم ينفعه ذلك ، فرجع إلى مكّة آيسا ،
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٥٠.
(٢) تفسير الرازي ٣٢ : ١٥٣.