في تفسير سورة المسد
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة النصر المتضمّنة لبيان تمامية دعوة الرسول صلىاللهعليهوآله ، ونفوذ كلمته ، ودخول الناس في دينه ، ونصرته على أعدائه ، نظمت سورة أبي لهب المتضمّنة لبيان خبث (١) أبي لهب وذمّ زوجته أمّ جميل (٢) الساعيين في الإخلال بأمر رسالته وإطفاء نوره ، وغاية خسرانها [ في ] معاندته ، فابتدأها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ افتتحها بذكر خسران أبي لهب في معاندته للرسول صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿تَبَّتْ﴾ وخسرت ، أو خابت ﴿يَدا أَبِي لَهَبٍ﴾ روي أن رسول الله صلىاللهعليهوآله صعد على الصفا ذات يوم ، وقال : « يا صباحاه » فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا : مالك ؟ قال : « أرايتم إن أخبرتكم أنّ العدوّ مصبّحكم أو ممسيكم ، أما كنتم تصدّقوني ؟ » قالوا : بلى. قال : « فانّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تبا لك ، ألهذا دعوتنا ! فنزلت السورة » (٣) .
وروي أيضا أنّه صلىاللهعليهوآله جمع أعمامه ، وقدّم إليهم طعاما في صحفة ، فاستحقروه. وقالوا : إنّ أحدنا يأكل كلّ الشاة ، فقال : « كلوا » فأكلوا حتى شبعوا ولم ينقص من الطعام إلّا اليسير ، ثمّ قالوا : فما عندك ؟ فدعاهم إلى الاسلام. فقال أبو لهب : تبا لك ، ألهذا دعوتنا ! (٤)
وروي أنّه قال أبو لهب : فما لي إن أسلمت ؟ فقال : « ما للمسلمين » فقال : أ فلا افضّل عليهم ؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآله : « بماذا تفضّل ؟ » فقال : تبا لك ولهذا الدين ، يستوى [ فيه ] أنا وغيري (٥) . وفي رواية : كان إذا وفد على النبي صلىاللهعليهوآله وفد سألوا عمّه عنه ، وقالوا : أنت أعلم به. فيقول لهم : إنّه ساحر ، فيرجعون عنه ولا يلقونه ، فأتاه وفد فقال لهم مثل ذلك ، فقالوا : لا ننصرف حتّى نراه. فقال : إنّا لم نزل نعالجه من
__________________
(١) في النسخة : خبيثة.
(٢) في النسخة : جميلة.
(٣) مجمع البيان ١٠ : ٨٥١ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٨٩ ، تفسير الرازي ٣٢ : ١٦٥.
(٤و٥) تفسير الرازي ٣٢ : ١٦٥.