من أولاده ، كما عن ابن عباس (١) .
وروي أنّ أطيب ما يأكل الرجل من كسبه ، وأنّ ولده من كسبه (٢) .
وقيل : إنّ ﴿ما كَسَبَ﴾ عمله الشنيع من كيده في عداوة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وإقدامه في قتله (٣) .
وقيل : إنّ المراد بالمال هو الماشية ، ومن كسبه نتاجها ، فانّه كان صاحب ماشية ونعم ونتاج (٤) ، أو المراد ماله الذي ورثه من أبيه ، وممّا كسب ما كسبه بنفسه (٥) .
وقيل : إنّ كلمة ﴿ما﴾ استفهامية للإنكار (٦) ، والمعنى : أي شيء أغنى عنه في دفع التّباب ، أو في عداوة الرسول ، أو في دفع النار.
﴿سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد إخباره بخيبته وخسرانه في الدنيا ، أخبر من سوء حاله في الآخرة وبعد الموت بقوله : ﴿سَيَصْلى﴾ وعن قريب يدخل بعنف ﴿ناراً﴾ عظيمة ﴿ذاتَ لَهَبٍ﴾ واشتعال وتوقّد ، هي نار جهنم.
ثمّ اعلم أنّ الآيات متضمّنة لأخبار ثلاثة عن الغيب : الإخبار عنه بالتّباب والخسارة ، والإخبار بعدم انتفاعه بماله وولده ، والإخبار بأنّه يموت على الكفر ويدخل النار ، وقد وقع جميع ذلك.
روى أبو رافع مولى رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : كنت غلاما للعباس بن عبد المطّلب ، وكان الاسلام قد دخل [ بيتنا ] فأسلم العباس ، وأسلمت امّ الفضل ، وأسلمت أنا ، وكان العباس يهاب القوم ويكتم إسلامه ، وكان أبو لهب تخلّف عن بدر ، فبعث مكانه العاص بن هشام ، ولم يتخلّف رجل منهم إلّا بعث مكانه رجلا آخر ، فلمّا جاء الخبر عن واقعة أهل بدر وجدنا في أنفسنا قوّة ، وكنت رجلا ضعيفا ، وكنت أعمل القداح ألحيها (٧) في حجرة زمزم ، فكنت جالسا هناك ، وعندي امّ الفضل جالسة ، وقد سرّنا ما جاءنا من الخبر ، إذ أقبل أبو لهب يجرّ رجليه ، فجلس على طنب (٨) الحجرة ، وكان ظهري إلى ظهره ، فبينا هو جالس إذ قال الناس : هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ، فقال له أبو لهب: كيف الخبر يابن أخي ؟ فقال : لقينا القوم ومنحناهم أكتافنا ، يقتلوننا كيف أرادوا ، وايم [ الله ] مع ذلك تأمّلت الناس ، لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض. قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة ، ثمّ قلت : اولئك والله الملائكة ، فأخذني أبو لهب وضربني على الأرض ، ثمّ برك عليّ
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٦٩ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٣٤.
(٢) تفسير الرازي ٣٢ : ١٦٩.
(٣) جوامع الجامع : ٥٥٥ ، تفسير الرازي ٣٢ : ١٧٠ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٣٤.
(٤و٥) تفسير الرازي ٣٢ : ١٦٩.
(٦) تفسير أبي السعود ٩ : ٢١٠ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٣٣.
(٧) لحى القدح : قشره.
(٨) الطنب : حبل يشدّ به الخبار والسّرادق ونحوهما ، أو الطرف والناحية.