ثمّ بالغ سبحانه في ذمّها بقوله : ﴿فِي جِيدِها﴾ وعنقها ، أو موضع قلادتها ، كالحطّابين ﴿حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ جيّد الفتل من أي شيء كان من جلد الإبل أو من اللّيف أو الخوص ، وإنّما ذمّها بذلك لأنّها كانت تحمل الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يحمل (١) الحطّابون لخساستها.
وقيل : إنّه بيان لسوء حالها في جهنّم ، والمقصود أنّها كما كانت في الدنيا تحمل الحطب والشوك لخساستها ، أو لايذاء النبي صلىاللهعليهوآله والمؤمنين ، لا تزال تحمل على ظهرها في جهنّم حزمة من حطب النار من شجرة الزقّوم والضّريع ، وفي جيدها حبل من سلاسل النار ، ولا يبعد بقاء الحبل من مسد في النار أبدا ، كما يبقى الجلد واللحم والعظم من الانسان أبدا في النار (٢) .
روي عن أسماء بنت عميس لمّا نزلت السورة جاءت امّ جميل ، ولها ولولة وبيدها حجر ، فدخلت المسجد ورسول الله صلىاللهعليهوآله جالس ومعه أبو بكر ، وهي تقول :
ذمّما قلينا |
|
و دينه أبينا |
و حكمة عصينا |
فقال أبو بكر : يا رسول الله ، قد أقبلت إليك وأنا أخاف أن تراك. فقال صلىاللهعليهوآله : إنّها لا تراني ، وقرأ ﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً﴾(٣) فقالت لأبي بكر : قد ذكر لي أنّ صاحبك هجاني. فقال أبو بكر : لا وربّ هذا البيت ، ما هجاك. فولّت وهي تقول : قد علمت قريش أنّي بنت سيّدها (٤) .
وعن الكاظم عليهالسلام في حديث يذكر فيه معجزات النبي صلىاللهعليهوآله قال : ومن ذلك أنّ امّ جميل امرأة أبي لهب أتته حين نزلت سورة تبّت ، ومع النبي أبو بكر بن أبي قحافة فقال : يا رسول الله ، هذه امّ جميل تريدك ومعها حجر تريد أن ترميك به ؟ فقال : « إنّها لا تراني » فقالت لأبي بكر : أين صاحبك ؟ قال : حيث شاء الله. قالت : لقد جئته ، ولو رأيته لرميته ، فانّه هجاني ، واللات والعزّى إنّي لشاعرة. فقال أبو بكر : يا رسول الله ، إنّها لم ترك ؟ قال : « لا ، ضرب الله بيني وبينها حجابا » (٥) .
عن الصادق عليهالسلام قال : « إذا قرأتم ﴿تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ﴾ فادعوا (٦) على أبي لهب ، فانّه كان من المكذّبين بالنبيّ صلىاللهعليهوآله وبما جاء به من عند الله » (٧) لعن الله أبي لهب.
__________________
(١) كذا ، والظاهر : يعمل أو يفعل.
(٢) تفسير الرازي ٣٢ : ١٧٣.
(٣) الإسراء : ١٧ / ٤٥.
(٤) تفسير الرازي ٣٢ : ١٧٢.
(٥) قرب الإسناد : ٣٢٩ / ١٢٢٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٨٩.
(٦) في النسخة : فالعنوا.
(٧) ثواب الأعمال : ١٢٧ ، مجمع البيان ١٠ : ٨٥٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٨٩.