في تفسير سورة الفلق
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة التوحيد المتضمّنة للأمر بالإعلان بالتوحيد الكامل الخالص عن شوب الشرك ، وكان من لوازمه التوكّل على الله في جميع الامور والاستعاذة به من جميع الآفات والشرور ، وعدم الخوف من غير الله ، نظمت سورة الفلق المتضمّنة للأمر بإظهار الاستعاذة به تعالى من الشور الجسمانية ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بالأمر باظهار الاستعاذة بالله من الشرور والمضارّ الجسمانية بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد ، وأنت في هذا العالم الجسماني الذي يتوقّع فيه الضرر والشرّ من كلّ شيء ﴿أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ وألتجيء إلى من يدفع بقدرته ظلمة الليل عن وجه الصبح الصادق ﴿مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ﴾ في العالم الجسماني وضرره ، فانّه القادر على دفع كلّ ما يخاف العائذ ويحذره.
قيل : إنّ وجه النّظم أنّ الله تعالى لمّا أمر بقراءة سورة الاخلاص تنزيها له عمّا لا يليق به في ذاته وصفاته ، وكان ذلك من أعظم الطاعات ، فكأنّ العبد قال : إلهنا هذه الطاعة عظيمة بحيث لا أثق بنفسي القيام بها ؟ فأجابه تعالى : بأن ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ أي استعذ بالله والتجئ إليه حتى يوفّقك للقيام بهذه الطاعة على أكمل الوجوه (١) .
وقيل : إنّ الكفار لمّا سالوا الرسول صلىاللهعليهوآله عن نسب الله وصفته ، فكأنّ الرسول صلىاللهعليهوآله قال : « كيف أنجو من هؤلاء الجهّال الذين تجاسروا وقالوا فيك ما لا يليق بك ؟ » قال الله تعالى : ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ أي استعذ بي حتّى أصونك من شرّهم (٢) . وقيل : إنّ نكتة تخصيص الفلق بالذكر عند التعوّذ أنّ الصبح كالبشر (٣) بالأمن والسلامة لمن هو خائف بالليل ، فالمعنى : التجئ إلى من يعطى الخائف بالليل الأمن بطلوع الصبح حتّى يعطيك الأمن من الشرور.
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٣٢ : ١٨٩.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩١.