في تفسير سورة الناس
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ
الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (١) و (٥)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد أمره النبي صلىاللهعليهوآله بالتعوّذ به من الشرور الجسمانية ، نظمت سورة الناس الآمرة له بالتعوذ به من الشرور الروحانية ، فابتدأها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ .
ثمّ افتتحها بأمر نبيّه باظهار التعوّذ به تعالى من الشرور الروحانية تعليما للعباد بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ ومدبّر امورهم ، ومصلح مفاسدهم ، ومكمّل وجودهم ، والمنعم عليهم بجميع النّعم التي يحتاجون إليها ، فظهر أنّ ربّ الناس هو ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ والناس مملوكون له مفتقرون إليه في وجودهم وبقائهم وكمالهم ، وهو غنيّ عنهم وعن كلّ شيء ، فظهر أنّ ملك الناس بهذا المعني هو ﴿إِلهِ النَّاسِ﴾ حيث ولهت العقول في إدراك عظمته وجلاله وكبريائه ﴿مِنْ شَرِّ﴾ الشيطان الذي شغله الوسوسة ، وإلقاء الخطورات السيئة في القلوب ، وتزيين القبائح في الأنظار بحيث يصحّ أن يقال مبالغة : إنّه عين ﴿الْوَسْواسِ﴾.
ثمّ وصفه سبحانه بوصف ﴿الْخَنَّاسِ﴾ لأنّ عادته التأخّر والتولّي إذا ذكر الانسان ربّه - كذا قيل (١) - ويحتمل كون المراد منه كثير التخفّي من الأنظار. وعن القمي : أنّ الخنّاس اسم الشيطان (٢) . ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ﴾ ويلهم الشرّ ، ويلقي الرغبة إلى القبائح ﴿فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾ وقلوبهم إذا غفلوا عن ذكر ربّهم.
﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)﴾
ثمّ عمّم سبحانه الوسوس (٣) الذي يستعاذ من شرّه بقوله : ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ كما قال سبحانه:
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩٨.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٤٥٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٩٨.
(٣) في النسخة : المسوس.