الْجِبالُ سَيْراً * فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ * يَوْمَ
يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (٧) و (١٣)﴾
ثمّ ذكر سبحانه المقسم عليه بقوله : ﴿إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ﴾ ونازل لا محالة ، وفي لفظ ( ربّك ) تأمين للرسول منه.
قيل : إنّ الحلف بالطّور والبيت المعمور الذي هو ملاذ الملائكة ، وبالسماء والبحر ، مع أن وجود كلّ منها وبقائه بقدرة الله ، مشعر بأن لا مهرب من ذلك العذاب (١) ، كما صرح به سبحانه بقوله: ﴿ما لَهُ مِنْ دافِعٍ﴾ حيث إنّ التحصّن منه إما بالذّهاب إلى شاهق الجبل ، أو بالتحصين في البيت ، أو بالصعود إلى السماء ، أو بالغوص في البحر ، ومن المعلوم أنّ كلّها تحت قدرة الله وإحاطته ، حيث وصف زمان وقوع ذلك العذاب بقوله : ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ﴾ وتضطرب ، وتجيء وتذهب ﴿مَوْراً﴾ واضطرابا شديدا عجيبا. قيل : تدور السماء كما تدور الرّحى ، وتتكفّأ بأهلها تكفّؤ السفينة (٢) ﴿وَتَسِيرُ الْجِبالُ﴾ كالريح كما عن القمي (٣) ، أو كالسّحاب كما عن بعض العامة (٤)﴿سَيْراً﴾ سريعا ، ثمّ تصير كالعهن ، وذلك لانقضاء الدنيا ، وعدم انتفاع بني آدم بها ، وعدم عودهم إليها ، فاذا كان الأمر كذلك ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ بتوحيد الله ورسله.
ثمّ ذمّهم سبحانه بقوله : ﴿الَّذِينَ هُمْ﴾ مستقرّون ﴿فِي خَوْضٍ﴾ واندفاع عجيب عظيم ، وانغماس في الأباطيل والأكاذيب ، كما يغاص في الماء و﴿يَلْعَبُونَ﴾ ويلهون بالدنيا ويتشاغلون بما يصرفهم عمّا فيه خيرهم وسعادتهم الأبدية ، ثمّ وصف سبحانه ذلك اليوم الذي فيه الويل للمكذبين بقوله: ﴿يَوْمَ﴾ كأنّه قال ذلك اليوم يكون يوم ﴿يُدَعُّونَ﴾ ويدفع المكذّبون بالعنف والشّدّة ﴿إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ ودفعا شديدا حتى يصلون فيها على وجوههم وأقفيتهم. وقيل : إنّ اليوم بدل عن قوله : ﴿يَوْمَ تَمُورُ﴾ أو ظرف للقول المقدّر فيما بعد (٥) .
﴿هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْها
فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ
__________________
(١) مجمع البيان ٩ : ٢٤٨.
(٢) تفسير أبي السعود ٨ : ١٤٧ ، تفسير روح البيان ٩ : ١٨٩.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٣٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٧٨.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ١٨٩.
(٥) تفسير أبي السعود ٨ : ١٤٧ ، تفسير روح البيان ٩ : ١٨٩.