رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ
أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٢٩) و (٣٢)﴾
ثمّ لمّا أمر سبحانه في آخر السورة السابقة بتذكير الخائفين من الوعيد ، وذكر هنا حال الخائفين من عذابه ، أمره بوعظهم وتذكيرهم بقوله تعالى : ﴿فَذَكِّرْ﴾ يا محمد وعظ الخائفين من الله بآيات الكتاب الكريم ، ولا تعتن بما يقوله الكفار من أنّ محمدا كاهن أو مجنون ﴿فَما أَنْتَ﴾ بحمد الله و﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ التي أنعمها عليك من كمال العقل ومنصب الرسالة ﴿بِكاهِنٍ﴾ ومخبر بالغيب بتوسّط الجنّ ﴿وَلا مَجْنُونٍ﴾ وفاسد العقل.
ثمّ وبّخهم سبحانه على بعض أقاويلهم الشنيعة تعبجّبا منها بقوله : ﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ اولئك الطّغاة إذا سمعوا القرآن : إنّ محمدا ﴿شاعِرٌ﴾ وملفّق الكلمات الموزونة المزينة المموّهة (١) لطلب المال ، ولا نعارضه خوفا من أن يغلبنا بقوة شعره ، أو يهجونا ، بل ﴿نَتَرَبَّصُ﴾ وننتظر ﴿بِهِ﴾ في خلاصنا من شرّه ﴿رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ وحوادث الدهر ، أو موته وهلاكه ﴿قُلْ﴾ يا محمد ، لهؤلاء المعاندين : ﴿تَرَبَّصُوا﴾ وانتظروا هلاكي بحوادث الدهر ﴿فَإِنِّي مَعَكُمْ﴾ أيضا متربص ﴿مِنَ﴾ جملة ﴿الْمُتَرَبِّصِينَ﴾ لهلاككم بالعذاب النازل عليكم من الله أو بأيدينا.
ثمّ وبّخهم سبحانه على ضعف عقولهم بقوله : ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ﴾ وتبعثهم ﴿أَحْلامُهُمْ﴾ وعقولهم ﴿بِهذا﴾ القول الشنيع ، وإلى التكلّم بالمتناقضات ، حيث إنّ لازم الكهانة الفطنة والعقل والدقّة في الامور ، ولازم الجنون عدم الفهم واختلال الفكر ، ولازم الشاعر القدرة على الكلام الموزون المتّسق المخيّل بقوة الفكر ، ولا يمكن اجتماع الثلاثة في شخص واحد ، لا والله لا يجوّز العقل التكلّم بها ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ﴾ وهل هم إلّا طائفة معاندون لله ولكلّ حقّ وصواب ، يبعثهم عنادهم إلى التكلّم بالخرافات التي لا تصدر من ذي شعور ، والمكابرة بالتفوّه بكلّ كلام باطل لإطفاء الحقّ مع ظهوره.
﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ * أَمْ
خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ *أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا
يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ
يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٣) و (٣٨)﴾
__________________
(١) في النسخة : المموّهمة.