صوته » (١) .
وعن القمي رحمهالله : نزلت في وفد من بني تميم ، كانوا إذا قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوآله وقفوا على باب ججرته ، ونادوا يا محمد ، اخرج إلينا ، وكانوا إذا خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله تقدّموه في المشي ، وكانوا إذا كلّموه (٢) رفعوا أصواتهم فوق صوته ، ويقولون : يا محمد ، يا محمد ، ما تقول في كذا ؟ كما يكلّمون بعضهم بعضا ، فأنزل الله [ الآية ](٣) .
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ
لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ
أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣) و (٥)﴾
ثمّ إنه تعالى بعد ترهيب المؤمنين من مخالفة نهية ، رغّبهم في امتثاله بقوله تبارك وتعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ﴾ ويخفضون ﴿أَصْواتَهُمْ﴾ حين تكلّمهم ﴿عِنْدَ رَسُولِ اللهِ﴾ وفي حضوره مراعاة للأدب ، وخشية من مخالفته نهي الله عن رفع الصوت فوق صوته ، والجهر له بالقول ﴿أُولئِكَ﴾ المؤمنون هم ﴿الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ﴾ وأخلصها ﴿لِلتَّقْوى﴾ ووسعها له ، أو مرّنها عليه ﴿لَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿مَغْفِرَةٌ﴾ وستر كامل لذنوبهم ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ لا يسع البيان حسنه وقدره.
ثمّ ذمّ الله سبحانه الرافعين أصواتهم المسيئين للأدب بالنسبة إلى النبي بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ﴾ يا محمد ﴿مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ﴾ وخارج البيوت المسكونة لأزواجك حين استراحتك فيها ﴿أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ ولا يدركون قباحة سوء الأدب بالنسبة إلى من لا يدانيه أحد من الأولين والآخرين في الجلالة والعظمة ووخامة عاقبته. وقيل : الأكثر هنا بمعنى الكلّ (٤) ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا﴾ وتوقّفوا خارج الحجرات ، ولم ينادونك ﴿حَتَّى تَخْرُجَ﴾ من حجرتك متوجّها ﴿إِلَيْهِمْ﴾ لا إلى غيرهم ، والله ﴿لَكانَ﴾ ذلك الصبر والتوّقف ، وترك التعجيل والنداء ﴿خَيْراً لَهُمْ﴾ وأصلح وأنفع في الدنيا والآخرة من التعجيل في لقائك ، ورفع الصوت بندائك ﴿وَاللهُ غَفُورٌ﴾ لذنب أولئك المسيئين للأدب إن تابوا وندموا على ما صدر منهم ﴿رَحِيمٌ﴾ بهم إن صلحوا.
قيل : إنّ الذين نادوا الرسول عيينة بن الحصين الفزاري ، والأقرع بن حابس التميمي ، وفدا على
__________________
(١) التفسير المنسوب إلى الامام العسكري عليهالسلام : ٤٧٧ / ٣٠٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٤٨.
(٢) في النسخة تكلموه.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٣١٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٤٧.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٦٨.