الذين يباهيهم الله بك يوم القيامة فدنوت فنطقت بما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، والثاني حين اسر بي في المرّة الثانية ، فقال لي جبرئيل : أين أخوك ؟ قلت : خلّفته ورائي. قال : ادع الله فليأتك به. فدعوت الله ، فاذا مثالك معي ، فكشط لي عن سبع سماوات حتى رأيت سكّانّها وعمّارها وموضع كّل ملك منها » الخبر (١) .
﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى *
تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى * إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ
بِها مِنْ سُلْطانٍ (١٩) و (٢٣)﴾
ثمّ لمّا قرّر سبحانه النبوّة ، ذكر بطلان الشّرك الذي هو أهم ما يكون الرسول مأمورا بتبليغه ، بإظهار سفه القائلين بألوهية الأصنام المعروفة بقوله تعالى : ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ﴾ وهي صنم ثقيف في الطائف ﴿وَالْعُزَّى﴾ وهي صنم ، أو سمرة عبدتها قبيلة غطفان ﴿وَمَناةَ﴾ وهي صخرة يعبدها هذيل وخزاعة ، أو صنم للأوس والخزرج ، وهي تكون ﴿الثَّالِثَةَ﴾ للأوّلين ﴿الْأُخْرى﴾ والأدون والأذلّ منهما بنات الله وأهلات للعبادة ، أو إنّكم رأيتم حقارتها ، فكيف تشركون بها مع الله تعالى مع كمال عظمته ؟
عن القمي رحمهالله : اللات رجل ، والعزّى امرأته ، ومناة صنم بالمسلك الخارج عن الحرم على ستة أميال (٢) .
قيل : إنّ كون مناة أذلّ من الأولين ؛ لأنّ اللات على صورة الآدمي ، والعزّى على صورة نبات ، ومناة على صورة صخرة ، والجماد أدون وأذل من الآدمي والنبات ، ومتأخّر رتبة منهما (٣) .
وقيل : إنّ المعنى أفرايتم اللات والعزّى المعبودين بالباطل ومناة الثالثة المعبودة الاخرى (٤) .
ثمّ لمّا كان محال أن يقول المشركون : نحن نعترف بأنّ الله تعالى أعظم من كلّ شيء ، ولكن لمّا كانت الملائكة بنات الله صوّرنا لهنّ صورا نعبدها تعظيما لهنّ ، فوبخّهم الله على ذلك القول الشنيع بقوله: ﴿أَلَكُمُ﴾ أيّها الجهّال الولد ﴿الذَّكَرُ﴾ الذي هو أشرف الاولاد وأكملهم وأنفعهم مع كونكم مخلوق الله وعبيده ﴿وَلَهُ﴾ تعالى مع كمال عظمته وقدرته الولد ﴿الْأُنْثى﴾ الذي هو أخسّ الأولاد وأنقصهم (٥) بحيث إذا بشّر أحدكم به ظلّ وجهه مسودّا وهو كظيم ﴿تِلْكَ﴾ القسمة أو نسبة البنات إلى الله مع اعتقادكم أنّهنّ ناقصات ، واختياركم البنين مع أعتقادكم أنّهم كاملون ﴿إِذاً﴾ وفي حال كونكم
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٣٣٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٩١.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٣٣٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٩٢.
(٣) تفسير الرازي ٢٨ : ٢٩٦.
(٤) تفسير الرازي ٢٨ : ٢٩٦.
(٥) في النسخة : وأنقصه.