رسول الله صلىاللهعليهوآله في سبعين رجلا من بني تميم وقت الظهيرة ، وهو راقد ، فقالا : يا محمد ، اخرج إلينا ، فنحن الذين مدحنا زين وذمّنا شين ، فاستيقظ صلىاللهعليهوآله ، فخرج وقال لهم : « ويحكم ذلكم الله » (١) .
وروي أنّه سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله عنهم فقال : « هم جفاة بني تميم ، لو لا أنّهم من أشدّ الناس قتالا للأعور الدجّال ، لدعوت الله أن يهلكهم ، فنزلت الآية ذمّا لهم »(٢) .
وعن ابن عباس رضى الله عنه : أنّه بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله سريّة إلى حي بني العنبر ، وأمرّ عليهم عيينة بن الحصين ، فلمّا علموا أنّه توجّه نحوهم هربوا وتركوا عيالهم ، فسباهم عيينة ، وقدم بهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فجاء بعد ذاك رجالهم يفدون الذراري ، فقدموا وقت الظهيرة ، فوافوا رسول الله صلىاللهعليهوآله قائلا في أهله ، فلمّا رأتهم الذرارى ى أجهشوا إلى آبائهم يبكون ، وكان لكلّ امرأة من نساء النبي صلىاللهعليهوآله بيت وحجرة ، فجعلوا ينادون : يا محمد ، اخرج إلينا ، حتى ايقضوه من نومه ، فخرج إليهم فقالوا : يا محمد ، فادنا عيالنا. فنزل جبرئيل فقال : إنّ الله يأمرك أن تجعل بينك وبينهم رجلا.
فقال صلىاللهعليهوآله : « أترضون أن يكون بيني وبينكم سبرة بن عمرو ، وهو على دينكم ؟ » قالوا : نعم. قال سبرة : أنا لا أحكم بينهم وعمي شاهد ، وهو أعور بن بشامة بن ضرار. فرضوا به.
فقال الأعور : فأنا أرى أن تفادي نصفهم ، وتعتق نصفهم. فقال صلىاللهعليهوآله : « قد رضيت » ففادى نصفهم ، وأعتق نصفهم. وقال مقاتل : ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ لأنّك كنت تعتقهم جميعا وتطلقهم بلا فداء (٣) .
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد تعليم المؤمنين الأدب مع الرسول صلىاللهعليهوآله علّمهم كيفية معاملتهم مع سائر الناس ، فابتدأ بكيفية معاملتهم مع الفسّاق بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ﴾ وأنبأكم ﴿فاسِقٌ﴾ من الفسّاق ﴿بِنَبَإٍ﴾ وأخبركم بخبر يعظم وقعه في القلوب ، كالإخبار بإرادة قوم قتالكم ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ وتفحّصوا عن صدقه وكذبه حتى تظهر حقيقة الحال ، ولا تعتمدوا على خبره ، فانّ من لا يحترز عن الفسق لا يؤمن منه الكذب ، فيكون في تحقيق الحال من الحذر ﴿أَنْ تُصِيبُوا﴾ أيّها المؤمنون وتضرّوا ﴿قَوْماً﴾ من المسلمين ﴿بِجَهالَةٍ﴾ وبسبب عدم العلم بواقع الحال ، وعدم طريق عقلائي دالّ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٦٧.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٦٨.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٦٨.