نوح ﴿هُمْ أَظْلَمَ﴾ من الفريقين ، حيث كانوا يؤذونه ويضربونه حتى لا يبقى له حراك ﴿وَأَطْغى﴾ عليه ، أو على ربّهم منهم. قيل : كانوا ينفرّون الناس عنه ، ويحذّرون صبيانهم من أن يقربوا منه ويستمعوا وعظه(١) .
﴿وَ﴾ أهلك القرى ﴿الْمُؤْتَفِكَةَ﴾ والمنقلبة بأهلها بحيث جعل عاليها سافلها ، وهي قرى قوم لوط ، فانّ الله ﴿أَهْوى﴾ وأسقطها إلى الأرض بعد رفعها إلى السماء على جناح جبرئيل. وقيل : يعني ألقاها في الهاوية (٢) . وقيل : كانت بيوتهم مرتفعة ، فأهواها الله بالزّلزلة ، وجعل عاليها سافلها (٣) .
وقيل : إنّ المراد من المؤتفكة كلّ قوم انقلبت مساكنهم ، وخربت منازلهم (٤) ، وهو خلاف الظاهر ، بل الظاهر أنّ المراد القرى المعهودة لقوم لوط.
﴿فَغَشَّاها﴾ واحاط بها ﴿ما غَشَّى﴾ ها ، وأحاط بها من أنواع العذاب ، وفي إبهام عذابهم ما لا نهاية له من التهويل.
﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى * هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى * أَزِفَتِ الْآزِفَةُ *
لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ (٥٥) و (٥٨)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد تعداد نعمه على الانسان من خلق الذكر والانثى ، وإغنائه وإقنائه ، وإهلاك الظّلمة والطّغاة ، ونصرة انبيائه ورسله ، نبّه على أنّه لا مجال للشكّ في نعمه بقوله تعالى : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ﴾ ونعمه أيّها الانسان ﴿تَتَمارى﴾ وتشكّ أو تجادل إنكارا له.
وقيل : إنّ الخطاب للنبي صلىاللهعليهوآله من باب التعريض بالغير (٥) على طريقة : إياك أعني واسمعي يا جارة.
قيل : إنّ الله عدّ النّقم التي ذكرها قبل الآلاء نعما من أجل أنّها عبر للمعتبرين ، ونصرة للأنبياء والمرسلين والمؤمنين (٦) .
ثمّ لمّا ذكر سبحانه إهلاك الامم المكذّبة لرسلهم أشار إلى النبي صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿هذا﴾ الشخص الشريف الذي يدعوكم أيّها الناس إلى التوحيد ودين الحقّ ، ويرشدكم إلى سعادة الدارين ﴿نَذِيرٌ﴾ لكم من الله تعالى ، ورسول مبعوث من قبله ﴿مِنَ﴾ جملة ﴿النُّذُرِ الْأُولى﴾ ومن قبيل الرسل السابقة ، فلا تكذّبوه فانّه يصيبكم ما اصاب الامم المكذّبة لرسلهم.
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٨ : ١٦٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٥٨.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٥٨.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٤.
(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٤.
(٥) تفسير أبي السعود ٨ : ١٦٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٥٨.
(٦) تفسير البيضاوي ٢ : ٤٤٣ ، تفسير أبي السعود ٨ : ١٦٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٥٨.