وغيره من الكهنة (يُلْقُونَ) أي الشياطين (السَّمْعَ) أي ما سمعوه من الملائكة إلى الكهنة (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) (٢٢٣) يضمون إلى المسموع كذبا كثيرا ، وكان هذا قبل أن حجبت الشياطين عن السماء (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) (٢٢٤) في شعرهم فيقولون به ويروونه عنهم فهم مذمومون (أَلَمْ تَرَ) تعلم (أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ) من أودية الكلام وفنونه (يَهِيمُونَ) (٢٢٥) يمضون فيجاوزون الحد مدحا وهجاء (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ) فعلنا (ما لا يَفْعَلُونَ) (٢٢٦) أي يكذبون (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من الشعراء (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) أي لم يشغلهم عن الذكر (وَانْتَصَرُوا)
____________________________________
قوله : (يُلْقُونَ السَّمْعَ) يحتمل أن الضمير عائد على الشياطين ، والمعنى يلقون ما سمعوه إلى الكهنة ، ويحتمل أنه عائد (عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ) ، والمعنى يلقون ما سمعوه من الشياطين إلى عوام الخلق ، أو المعنى يصغون إلى الشياطين بكليتهم حين يسمعون منهم.
قوله : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) الضمير إما عائد على الشياطين أو الكهنة ، والأكثرية باعتبار الأقوال ، أي أكثر أقوالهم كاذبون فيها ، والأقل فيها صدق ، وليس المراد أن الأقل فيهم صادق ، بل الكل طبعوا على الكذب ، وأكثر الكلمات كذب وأقلها صدق. قوله : (وكان هذا قبل أن حجبت الشياطين عن السماء) دفع بذلك التناقض بين ما هنا وما تقدم في قوله : (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ). وحاصل ذلك : أن هذه الآية إخبار من الله عن الشياطين قبل عزلهم عن السماوات ، وتمثيله بمسيلمة باعتبار ما كان قبل وجوده صلىاللهعليهوسلم ، وأما بعد وجوده فلم يصل لمسيلمة ولا غيره شيء من الشياطين.
قوله : (وَالشُّعَراءُ) أي الذين يستعملون الشعر ، وهو الكلام الموزون بأوزان عربية المقفى قصدا ، والمراد شعراء الكفار الذين كانوا يهجون رسول صلىاللهعليهوسلم منهم : عبد الله بن الزبعرى السهمي ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي ، ومسافع بن عبد مناف ، وأبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي ، وأمية بن أبي الصلت الثقفي ، تكلموا بالكذب والباطل وقالوا نحن نقول مثل ما يقول محمد ، وقالوا الشعر ، واجتمع إليهم غواة قومهم يسمعون أشعارهم. قوله : (من أودية الكلام وفنونه) أشار بذلك إلى أن الشعراء يخوضون في كل كلام ، فهم مشبهون بالهائم في الأودية الذي لا يدري أين يتوجه. قوله : (يمضون) أي يخوضون. قوله : (أي يكذبون) أي لأنهم يمدحون الكرم والشجاعة ويحثون عليهما ، ولا يفعلون ما ذكر ، ويذمون ضدهما ويصرون عليه ، ويهجون الناس بأدنى شيء صدر منهم.
قوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) سبب نزولها : أن كعب بن مالك قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : قد أنزل في الشعر ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده ، لكأن ما ترمونهم به نضح النبل». وقوله : قد أنزل في الشعر ، أي أنزل القرآن في ذم الشعر وأهله. قوله : (من الشعراء) أي ومنهم حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك وغيرهم. واعلم أن الشعر منه مذموم ، وهو مدح من لا يجوز مدحه ، وذم من لا يجوز ذمه ، وعليه تتخرج الآية الأولى ، وقوله عليهالسلام : «لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا ودما ، خير له من أن يمتلىء شعرا». ومنه ممدوح ، وهو مدح من يجوز مدحه ، وذم من يجوز ذمه ، وعليه تتخرج الآية الثانية. وقوله صلىاللهعليهوسلم : «إن من الشعر لحكمة» وقال الشعبي : كان أبو