منعني من رؤيته (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) (٢٠) فلم أره لغيبته ، فلما تحققها قال (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً) تعذيبا (شَدِيداً) بنتف ريشه وذنبه ورميه في الشمس فلا يمتنع من الهوامّ (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) بقطع حلقومه (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي) بنون مشددة مكسورة أو مفتوحة يليها نون مكسورة (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٢١)
____________________________________
يحشره مع غير أبناء جنسه ، وقيل هو أن يطلى بالقطران ويوضع في الشمس. قوله : (بنون مشددة) الخ ، أي والقراءتان سبعيتان.
قوله : (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي حجة ظاهرة على غيبته ، والسبب في غيبة الهدهد ، أن سليمان عليهالسلام ، لما فرغ من بناء بيت المقدس ، عزم على الخروج إلى أرض الحرم ، فتجهز للمسير واستصحب جنوده من الجن والإنس والطير والوحش فحملتهم الريح ، فلما وافى الحرم ، أقام ما شاء الله أن يقيم ، أي من غير صلاة بالكعبة كراهة في الأصنام ، ولم يكن مأمورا بتكسيرها ، فاندفع التعارض بين ما هنا وما تقدم ، وكان ينحر في كل يوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة ، ويذبح خمسة آلاف ثور ، وعشرين ألف شاة ، وقال لمن حضره من أشراف قومه : إن هذا المكان يخرج منه نبي عربي ، صفته كذا وكذا ، ويعطى النصر على جميع من عاداه ، وتبلغ هيبته مسافة شهر ، القريب والبعيد عنده في الحق سواء ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، قالوا : فبأي دين يدين يا نبي الله؟ قال يدين الله الحنيفية ، فطوبى لمن أدركه وآمن به ، قالوا : كم بيننا وبين خروجه يا نبي الله؟ قال مقدار ألف سنة ، فليبلغ الشاهد الغائب ، فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل ، قال : فأقام بمكة حتى قضى نسكه ، ثم خرج من مكة صباحا وسار نحو اليمن ، فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر ، فرأى أرضا حسناء تزهو خضرتها ، فأحب النزول بها ليصلي ويتغدى ، فلما نزل قال الهدهد : قد اشتغل سليمان بالنزول ، فارتفع نحو السماء ينظر إلى طول الدنيا وعرضها ففعل ذلك ، فبينما هو ينظر يمينا وشمالا ، رأى بستانا لبلقيس ، فنزل اليه فإذا هو بهدهد آخر ، وكان اسم هدهد سليمان يعفور ، وهدهد اليمن عفير ، فقال عفير ليعفور : من أين أقبلت؟ قال : أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود ، قال ومن سليمان؟ قال : ملك الإنس والجن والشياطين والطير والوحش والرياح ، فمن أين أنت؟ قال عفير : أنا من هذه البلاد ، قال : ومن ملكها؟ قال : امرأة يقال لها بلقيس ، وإن لصاحبك ملكا عظيما ، ولكن ليس ملك بلقيس دونه ، فإنها تملك اليمن ، وتحت يدها أربعمائة ملك ، كل ملك على كورة ، مع كل ملك أربعة آلاف مقاتل ، ولها ثلاثمائة وزير يدبرون ملكها ، ولها اثنا عشر قائدا ، مع كل قائد اثنا عشر ألف مقاتل ، فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها؟ قال : أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج الماء ، قال الهدهد اليماني : إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة ، فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها ، وأما سليمان فإنه نزل على غير ماء ، فسأل عن الماء الجن والإنس فلم يعلموا ، فتفقد الهدهد فلم يره ، فدعا بعريف الطير وهو النسر ، فسأله عن الهدهد فقال : أصلح الله الملك ، ما أدري أين هو ، وما أرسلته إلى مكان ، فغضب سليمان وقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) الآية ، ثم دعا بالعقاب وهو أشد الطير طيرانا ، فقال له : علي بالهدهد الساعة ، فارتفع العقاب في الهواء حتى نظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم ، ثم التفت يمينا وشمالا ، فرأى الهدهد مقبلا من نحو اليمن ، فانقض العقاب يريده ، وعلم الهدهد أن العقاب يقصده بسوء ، فقال : بحق الذي قواك وأقدرك علي ، إلا