الْعَظِيمِ) (٢٦) استئناف جملة ثناء مشتمل على عرش الرحمن في مقابلة عرش بلقيس ، وبينهما بون عظيم (قالَ) سليمان للهدهد (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ) فيما أخبرتنا به (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٢٧) أي من هذا النوع ، فهو أبلغ من أم كذبت فيه ، ثم دلهم على الماء فاستخرج وارتووا وتوضؤوا وصلوا ، ثم كتب سليمان كتابا صورته : من عبد الله سليمان بن داود ، إلى بلقيس ملكة سبأ ، بسم الله الرحمن الرحيم ، السّلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فلا تعلوا عليّ وائتوني مسلمين. ثم طبعه بالمسك وختمه بخاتمه ، ثم قال للهدهد : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) أي بلقيس وقومها (ثُمَّ تَوَلَ) انصرف (عَنْهُمْ) وقف قريبا منهم (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) (٢٨) يردّون من الجواب ، فأخذه وأتاها وحولها جندها وألقاه في حجرها فلما رأته ارتعدت وخضعت خوفا ثم وقفت على ما فيه ثم (قالَتْ) لأشراف قومها (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بقلبها واوا مكسورة (أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) (٢٩) مختوم (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ) أي مضمونه (بِسْمِ اللهِ)
____________________________________
كافرة ، فخاف أن تستخف باسم الله ، فجعل اسمه وقاية لاسم الله تعالى. قوله : (السّلام على من اتبع الهدى) أي أمان الله على من اتبع طريق الحق وترك الضلال. قوله : (فلا تعلوا علي) أي لا تتكبروا. قوله : (مسلمين) أي منقادين لدين الله ، وفي هذا الخطاب ، إشعار بأنه رسول من عند الله ، يدعوهم إلى دين الله وليس مطلق سلطان ، وإلا لقال وائتوني طائعين. قوله : (ثم طبعه بالمسك) أي جعل عليه قطعة مسك كالشمع.
قوله : (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) إما بسكون الهاء أو كسرها من غير إشباع أو بإشباع ، ثلاث قراءات سبعيات. قوله : (ما ذا يَرْجِعُونَ) إن جعل انظر بمعنى انتظر فماذا بمعنى الذي ، و (يَرْجِعُونَ) صلته ، والعائد محذوف ، ويكون ما مفعول يرجعون. والمعنى انتظر الذي يرجعونه ، وإن جعل بمعنى تأمل وتفكر ، كانت ما استفهامية ، وذا بمعنى الذي ، ويرجعون صلتها ، والعائد محذوف ، والتقدير أي شيء الذي يرجعونه ، والموصول هو خبر ما استفهامية ، أو ما ذا كلها اسم واحد مفعول ليرجعون ، تقديره أي شيء يرجعون. قوله : (من الجواب) بيان لما. قوله : (وأتاها وحولها جندها) الخ ، وقيل أتاها فوجدها نائمة ، وقد غلقت الأبواب ووضعت المفاتيح تحت رأسها ، وكذلك كانت تفعل إذا رقدت ، فألقى الكتاب على نحرها ، وقيل كانت لها كوة مستقبلة الشمس تقع فيها حين تطلع ، فإذا نظرت إليها سجدت لها ، فجاء الهدهد فسد الكوة بجناحيه ، فارتفعت الشمس ولم تعلم ، فلما استبطأت الشمس قامت تنظر ، فرمى بالصحيفة إليها. قوله : (فلما رأته ارتعدت) أي حين وجدت الكتاب مختوما ارتعدت ، لأن ملك سليمان كان في خاتمه ، وعرفت أن الذي أرسل الكتاب أعظم ملكا منها ، فقرأت الكتاب ، وتأخر الهدهد غير بعيد ، وجاءت حتى قعدت على سرير ملكها وجمعت أشراف قومها. قوله : (بقلبها واوا مكسورة) المناسب أن يقول وتسهيل الثانية بين الهمزة والياء وقلبها واوا الخ ، فالقراءات ثلاث سبعيات.
قوله : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَ) الخ ، لم تذكر صورة الكتاب ، بل اقتصرت على ما فيه الفائدة ، لشدة