حال تنكره إذا رأته (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) إلى معرفته (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) (٤١) إلى معرفة ما يغير عليهم ، قصد بذلك اختبار عقلها لما قيل له إن فيه شيئا فغيروه بزيادة أو نقص أو غير ذلك (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ) لها (أَهكَذا عَرْشُكِ) أي أمثل هذا عرشك (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) أي فعرفته وشبهت عليهم كما شبهوا عليها إذ لم يقل أهذا عرشك ، ولو قيل هذا ، قالت نعم ، قال سليمان لما رأى لها معرفة وعلما (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) (٤٢) (وَصَدَّها) عن عبادة الله (ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) (٤٣) (قِيلَ لَهَا) أيضا (ادْخُلِي الصَّرْحَ) هو سطح من زجاج أبيض شفاف تحته ماء عذب جار فيه سمك اصطنعه سليمان لما قيل له إن ساقيها وقدميها كقدمي الحمار (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) من الماء (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها)
____________________________________
قوله : (قِيلَ) (لها) القائل سليمان أو مأموره. قوله : (أَهكَذا عَرْشُكِ) الهمزة للاستفهام ، والهاء للتنبيه ، والكاف حرف جر ، وذا اسم إشارة مجرور بها والجار والمجرور خبر مقدم ، و (عَرْشُكِ) مبتدأ مؤخر ، وفصل بين ها للتنبيه واسم الإشارة بحرف الجر وهو الكاف اعتناء بالتنبيه ، وكان مقتضاه أن يقال : أكهذا عرشك. قوله : (أي أمثل هذا) أشار بذلك إلى أن الكاف اسم بمعنى مثل ، وقولهم لا يفصل بين ها للتنبيه واسم الإشارة بشيء من حروف الجر إلا بالكاف معناه ولو صورة ، وإن كانت في المعنى اسما بمعنى مثل. قوله : (وشبهت عليهم) الخ ، أي فأتت بهذه العبارة مشاكلة لكلام سليمان ، والمشاكلة الإتيان بمثل الكلام السابق وإن لم يتحد الكلامان كقوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ). قوله : (قال سليمان) أي تحدثا بنعمة الله.
قوله : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها) أي العلم بالله وصفاته من قبل أن تؤتى هي العلم بما ذكر ، وكنا مسلمين من قبل أن تسلم ، فنحن أسبق منها علما وإسلاما. قوله : (وَصَدَّها) أي منعها ، وقوله : (ما كانَتْ) فاعل صد ، والمعنى منعها عن عبادة الله الذي كانت تعبد من دون الله وهو الشمس. قوله : (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) بكسر إن في قراءة العامة استئناف ، وقرىء شذوذا بفتحها على إسقاط حرف التعليل. قوله : (قِيلَ لَهَا) (أيضا) أي كما قيل نكروا لها عرشها. قوله : (هو سطح) وقيل الصرح القصر أو صحن الدار. قوله : (من زجاج أبيض) أي وهو المسمى بالبلور. قوله : (اصطنعه سليمان) أي أمر الشياطين به ، فحفروا حفيرة كالصهريج ، وأجروا فيها الماء ، ووضعوا فيها سمكا وضفدعا وغيرهما من حيوانات البحر ، وجعلوا سقفها زجاجا شفافا ، فصار الماء وما فيه يرى من هذا الزجاج ، فمن لم يكن عالما به ، يظن أنه ماء مكشوف يخاض فيه مع أنه ليس كذلك. قوله : (لما قيل له) القائل ذلك الجن. قوله : (فَلَمَّا رَأَتْهُ) أي أبصرته. قوله : (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) أي على عادة من أراد خوض الماء ، قيل لما رأت اللجة فزعت وظنت أنه قصد بها الغرق ، فلما لم يكن لها بد من امتثال الأمر ، سلمت وكشفت عن ساقيها. قوله : (لتخوضه) أي لأجل أن تصل إلى سليمان. قوله : (فرأى ساقيها) إلخ ، أي فلما علم ذلك صرف بصره عنها. قوله : (مُمَرَّدٌ) صفة أولى لصرح ، وقوله : (مِنْ قَوارِيرَ) صفة ثانية جمع