لتخوضه وكان سليمان على سريره في صدر الصرح فرأى ساقيها وقدميها حسانا (قالَ) لها (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ) مملس (مِنْ قَوارِيرَ) أي زجاج ودعاها إلى الإسلام (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بعبادة غيرك (وَأَسْلَمْتُ) كائنة (مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٤) وأراد تزوجها فكره شعر ساقيها فعملت له الشياطين النورة فأزالته بها ، فتزوجها وأحبها وأقرها على ملكها ، وكان يزورها في كل شهر مرة ؛ ويقيم عندها ثلاثة أيام ، وانقضى ملكها بانقضاء ملك سليمان ، روي أنه ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، فسبحان من لا انقضاء لدوام
____________________________________
قارورة. قوله : (مملس) ومنه الأمرد لملاسة وجهه أي نعومته لعدم الشعر به. قوله : (بعبادة غيرك) أي وهو الشمس. قوله : (مَعَ سُلَيْمانَ) حال من التاء في (أَسْلَمْتُ) كما أشار لذلك بقوله : (كائنة) والمعنى أسلمت حالة كوني مصاحبة له في الدين ، ولا يصح أن يكون متعلقا بأسلمت ، لأنه يوهم أنها متحدة معه في الإسلام في زمن واحد. قوله : (فعملت له الشياطين النورة) أي بعد أن سأل الإنس عما يزيل الشعر ، فقالوا له : يحلق بالموسى ، فقالت : لم يمس الحديد جسمي ، فكره سليمان الموسى وقال إنها تقطع ساقيها ، فسأل الجن فقالوا لا ندري ، فسأل الشياطين فقالوا : نحتال لك حتى يكون جسدها كالفضة البيضاء ، فاتخذوا النورة والحمام ، فكانت النورة والحمام من يومئذ. قوله : (فتزوجها) أي وولدت منه ولدا وسمته داود ، ومات في حياة أبيه ، وبقيت معه إلى أن مات وهذا أحد قولين ، وقيل إنها لما أسلمت قال لها سليمان : اختاري رجلا من قومك حتى أزوجك إياه ، فقالت : ومثلي يا نبي الله ينكح الرجال ، وقد كان لي من قومي الملك والسلطان؟ قال : نعم إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك ، ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله ، قالت : إن كان ولا بد ، فزوجني ذا تبع ملك همدان ، فزوجها إياه وذهب بها إلى اليمن ، وملك زوجها ذا تبع على اليمن ، ودعا سليمان زوبعة ملك الجن وقال له : اعمل لذي تبع ما استعملك فيه ، فلم يزل يعمل له ما أراد ، إلى أن مات سليمان ، وحال الحول ولم يعلم الجن موته ، فأقبل رجل منهم حتى بلغ جوف اليمن وقال بأعلى صوته : يا معشر الجن ، إن سليمان قد مات فارفعوا أيديكم ، فرفعوا أيديهم وتفرقوا. قوله : (وأقرها على ملكها) أي وأمر الجن فبنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها في الارتفاع والحسن. قوله : (ويقيم عندها ثلاثة أيام) أي وكان يبكر من الشام إلى اليمن ، ومن اليمن إلى الشام. قوله : (روي أنه ملك) أي أعطي الملك. قوله : (فسبحان من لا انقضاء لدوام ملكه) أي فما سواه يفنى ، وهو الباقي بلا زوال ، قال العارف :
ما آدم في الكون وما إبليس |
|
ما ملك سليمان وما بلقيس |
الكل إشارة وأنت المعنى |
|
يا من هو للقلوب مغناطيس |
فالأكوان جميعها إشارات دالة على المقصود بالذات وهو الواحد القهار.
قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ) شروع في القصة الرابعة من هذه السورة ، وثمود اسم لقبيلة صالح سميت باسم أبي القبيلة ، فهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث ، وتسمى عاد الثانية ، وأما عاد الأولى فهم قوم هود. قوله : (أَخاهُمْ صالِحاً) أي في النسب لأنه من أولاد ثمود الذي هو أبو القبيلة ، وعاش صالح مائتين وثمانين سنة. قوله :