(لَعَلَّهُمْ) أي قومه بني إسرائيل (يَهْتَدُونَ) (٤٩) به من الضلالة ، وأوتيها بعد هلاك فرعون وقومه جملة واحدة (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ) عيسى (وَأُمَّهُ آيَةً) لم يقل آيتين لأن الآية فيهما واحدة ولادته من غير فحل (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) مكان مرتفع وهو بيت المقدس أو دمشق أو فلسطين أقوال (ذاتِ قَرارٍ) أي مستوية يستقر عليها ساكنوها (وَمَعِينٍ) (٥٠) أي ماء جار ظاهر تراه العيون (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) الحلالات (وَاعْمَلُوا صالِحاً) من فرض ونفل (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (٥١) فأجازيكم عليه (وَ) اعلموا (إِنَّ هذِهِ) أي ملة الإسلام (أُمَّتُكُمْ) دينكم أيها المخاطبون أي يجب أن تكونوا عليها (أُمَّةً واحِدَةً) حال لازمة ، وفي قراءة بتخفيف النون ، وفي أخرى بكسرها مشددة استئنافا (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (٥٢) فاحذرون (فَتَقَطَّعُوا) أي الأتباع (أَمْرَهُمْ) دينهم (بَيْنَهُمْ زُبُراً) حال من فاعل تقطعوا أي أحزابا متخالفين كاليهود والنصارى
____________________________________
قوله : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) سبب ذلك ، أن ملك ذلك الزمان ، كان أراد أن يقتل عيسى ، فهربت به أمه إلى تلك الربوة ومكثت بها اثنتي عشرة سنة ، حتى هلك ذلك الملك. قوله : (وهو بيت المقدس) هو أعلى مكان من الأرض ، لأنه يزيد على غيره في الارتفاع ثمانية عشر ميلا ، فهو أقرب البقاع إلى السماء. قوله : (وَمَعِينٍ) اسم مفعول من عان يعين فهو معين ، وأصله معيون كمبيوع ، استثقلت الضمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان ، حذفت الواو لالتقاء الساكنين ، وكسرت العين لتصح الياء.
قوله : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) خطاب لجميع الرسل على وجه الإجمال ، فليس المراد أنهم خوطبوا بذلك دفعة واحدة ، بل المراد خوطب كل رسول في زمانه بذلك ، بأن قيل مثلا لكل رسول : كل من الطيبات واعمل صالحا ، إني بما تعمل عليم ، وحكمة خطاب النبي بها على سبيل الإجمال ، التشنيع على رهبانية النصارى ، حيث يزعمون أن ترك المستلذات مقرب إلى الله ، فرد الله عليهم بأن المدار على أكل الحلال وفعل الطاعات. قوله : (الحلالات) أي مستلذات أم لا.
قوله : (وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي شكرا على تلك النعم ، لتزدادوا بها قربا من ربكم. قوله : (فأجازيكم عليه) أي إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، فالآية فيها ترغيب وترهيب. قوله : (وَ) (اعلموا) (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ) قدر المفسر لفظ (اعلموا) إشارة إلى أن أن بفتح الهمزة معمولة لمحذوف و (هذِهِ) اسمها ، و (أُمَّتُكُمْ) خبرها ، وأمة حال ، وواحدة صفة له. قوله : (دينكم) أشار بذلك إلى أن المراد بالأمة الدين ، والمراد به العقائد ، لأنها هي التي اتحدت في جميع الشرائع ، وأما الأحكام الفرعية ، فقد اختلفت باختلاف الشرائع. قوله : (وفي قراءة بتخفيف النون) أي والهمزة مفتوحة ، والعامل مقدر كما في المشددة ، واسمها ضمير الشأن ، و (هذِهِ أُمَّتُكُمْ) مبتدأ وخبر ، والجملة خبر (إِنَ). قوله : (استئنافا) أي فهو إخبار من الله ، بأن جميع الشرائع متفقة الأصول ، والقراءات الثلاث سبعيات. قوله : (فَاتَّقُونِ) أي افعلوا ما أمرتكم به واتركوا ما نهيتكم عنه.
قوله : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ) أي جعلوا دينهم مفرقا ، فلذلك صاروا فرقا مختلفة ، كاليهود والنصارى