الخوف المفضي إلى الموت ، كما في آية أخرى (فَصَعِقَ) أو التعبير فيه بالماضي لتحقق وقوعه (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) أي جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، وعن ابن عباس : هم الشهداء إذ هم أحياء عند ربهم يرزقون (وَكُلٌ) تنوينه عوض عن المضاف إليه أي وكلهم بعد إحيائهم يوم القيامة (أَتَوْهُ) بصيغة الفعل واسم الفاعل (داخِرِينَ) (٨٧) صاغرين والتعبير في الإتيان بالماضي لتحقق وقوعه (وَتَرَى الْجِبالَ) تبصرها وقت النفخة (تَحْسَبُها) تظنها (جامِدَةً) واقفة مكانها (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) المطر إذا ضربته الريح ، أي تسير سيره حتى تقع على الأرض فتستوي بها مبسوسة ، ثم تصير كالعهن ، ثم تصير هباء منثورا (صُنْعَ اللهِ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله أضيف إلى فاعله بعد حذف عامله ، أي صنع الله ذلك صنعا (الَّذِي أَتْقَنَ) أحكم (كُلَّ شَيْءٍ) صنعه (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) (٨٨) بالياء والتاء أي أعداؤه من المعصية وأولياؤه من الطاعة (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ)
____________________________________
الثانية. قوله : (وعن ابن عباس هم الشهداء) وقيل أهل الجنة من الحور العين والولدان وخزنة الجنة والنار ، وقيل : موسى ، وقيل جميع الأنبياء. قوله : (إذ هم أحياء) أي حياة برزخية لا تزول ولا تحول ، ولكن ليست كحياة الدنيا. قوله : (أي كلهم) أي المخلوقات من صعق ومن لم يصعق. قوله : (بصيغة الفعل) أي الماضي ، فيقرأ بفتح الهمزة مقصورة وتاء مفتوحة وواو ساكنة. قوله : (واسم الفاعل) أي فيقرأ بعد الهمزة وضم التاء وسكون الواو ، وأصله آتون له ، حذفت باللام للتخفيف والنون للإضافة ، والقراءتان سبعيتان. قوله : (صاغرين) أي أذلاء لهيبة الله تعالى ، فيشمل الطائع والعاصي ، وليس المراد ذل المعاصي ، والمعنى أن إسرافيل حين ينفخ في الصور النفخة الثانية التي بها يكون إحياء الخلق ، يأتي كل إنسان ذليلا لهيبة الله تعالى.
قوله : (وَتَرَى الْجِبالَ) عطف على قوله : (يُنْفَخُ). قوله : (وقت النفخة) أي الثانية ، لأن تبديل الأرض وتسيير الجبال وتسوية الأرض ، إنما يكون بعد النفخة الثانية ، كما يشهد به قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) الآية ، وقوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) الآية. قوله : (لعظمها) أي وذلك لأن الأجرام الكبار ، إذا تحركت مرة واحدة ، لا تكاد تبصر حركتها. قوله : (المطر) الصواب إبقاء اللفظ على ظاهره ، لأن تفسير السحاب بالمطر لم يقله أحد ، ولعل الباء سقطت من قلم المصنف ، والأصل من السحاب بالمطر. قوله : (حتى تقع) أي الجبال على الأرض. قوله : (مبسوسة) أي مفتتة كالرمل السائل. قوله : (كالعهن) أي الصوف المنفوش. قوله : (مؤكد لمضمون الجملة قبله) أي لأن ما تقدم من نفخ الصور وتسيير الجبال وغير ذلك ، إنما هو من صنع الله لا غيره.
قوله : (الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) أي وضعه في محله على أكمل حالاته. قوله : (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أي لا إله إلا الله) إنما حمله على هذا التفسير ذكر المقابل ، لأن الكب في النار ليس بمطلق سيئة ، بل إنما يكون بالكفر وهو يقابل الإيمان ، وحينئذ فأل في الحسنة للعهد ، أي الحسنة المعهودة وهي كلمة التوحيد ، وقيل الحسنة كل عمل خير من صلاة وزكاة وصدقة وغير ذلك من وجوه البر.