(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) أي واضعة. كمّ درعها على وجهها حياء منه (قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) فأجابها منكرا في نفسه أخذ الأجرة ، كأنها قصدت المكافأة إن كان ممن يريدها ، فمشت بين يديه فجعلت الريح تضرب ثوبها فتكشف ساقيها ، فقال لها : امشي خلفي ودليني على الطريق ففعلت ، إلى أن جاء أباها وهو شعيب عليهالسلام وعنده عشاء ، فقال له : اجلس فتعشّ ، قال : أخاف أن يكون عوضا مما سقيت لهما ، وإنا أهل بيت لا نطلب على عمل خير عوضا ، قال : لا ، عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام ، فأكل وأخبره بحاله ، قال تعالى (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) مصدر بمعنى المقصوص من قتله القبطي ، وقصدهم قتله وخوفه من فرعون (قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢٥) إذ لا سلطان لفرعون على مدين (قالَتْ إِحْداهُما) وهي المرسلة الكبرى أو الصغرى (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) اتخذه أجيرا يرعى غنمنا أي بدلنا (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (٢٦) أي استأجره لقوته وأمانته ، فسألها عنهما فأخبرته بما تقدم من رفعه حجر البئر ومن قوله لها امشي خلفي ، وزيادة أنها لما جاءته وعلم بها صوب رأسه فلم يرفعه فرغب في إنكاحه (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) وهي الكبرى أو الصغرى (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) تكون أجيرا لي في رعي غنمي (ثَمانِيَ حِجَجٍ) أي سنين (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً) أي رعي عشر سنين (فَمِنْ عِنْدِكَ) التمام (وَما أُرِيدُ أَنْ
____________________________________
حرف توكيد والياء اسمها ، و (لِما أَنْزَلْتَ) متعلق بفقير وهو خبر إن ، و (أَنْزَلْتَ) بمعنى تنزل ، والمعنى إني فقير ومحتاج لما تنزله إلي من أي شيء ، كان قليلا أو كثيرا. قوله : (ادعيه لي) أي اطلبيه ليحضر عندي. قوله : (فَجاءَتْهُ) الخ ، عطف على ما قدره المفسر بقوله : (فرجعتا) الخ. قوله : (تَمْشِي) حال من فاعل جاء ، وقوله : (عَلَى اسْتِحْياءٍ) حال من الضمير في (تَمْشِي) ، والاستحياء هو الحياء بالمد ، وهو حالة تعتري الشخص ، تحمله على تجنب الرذائل. قوله : (كمّ درعها) أي قميصها. قوله : (منكرا في نفسه أخذ الأجرة) أي فلم يكن قصده بالإجابة أخذ الأجرة ، بل للتبرك بأبيها. قوله : (وهو شعيب) هذا هو الصحيح ، وقيل هو يثرون ابن أخي شعيب ، وكان شعيب قد مات ، وقيل هو رجل ممن آمن بشعيب ، وشعيب هو ابن متبعون بن عنفاش بن مدين بن إبراهيم عليهالسلام. قوله : (وهي المرسلة) أي وهي التي تزوجها موسى عليهالسلام.
قوله : (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ) تعليل للأمر بالاستئجار. قوله : (فسألها عنهما) أي بأن قال لها : وما أعلمك قوته وأمانته. قوله : (وزيادة) أي على ما ذكرته من القوة والأمانة ، وقد يقال إن هذا من جملة الأمانة فلا زيادة. قوله : (صوب رأسه) أي خفضه. قوله : (فرغب في إنكاحه) أي رغب شعيب في إنكاحه ابنته. قوله : (هاتَيْنِ) استفيد منه أنه كان له غيرهما ، قيل كان له سبع بنات. قوله : (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) حال من الفاعل أو المفعول ، ومفعول (تَأْجُرَنِي) محذوف ، والمعنى تأجرني نفسك ، وقوله : (ثَمانِيَ حِجَجٍ) ظرف له. قوله : (فَمِنْ عِنْدِكَ) (التمام) قدره إشارة إلى أن قوله : (فَمِنْ عِنْدِكَ) خبر