متاركة أي سلمتم منا من الشتم وغيره (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) (٥٥) لا نصحبهم. ونزل في حرصه صلىاللهعليهوسلم على إيمان عمه أبي طالب (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) هدايته (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ) أي عالم (بِالْمُهْتَدِينَ) (٥٦) (وَقالُوا) أي قومه (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) أي ننتزع منها بسرعة قال تعالى (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) يأمنون فيه من الإغارة والقتل الواقعين من بعض العرب على بعض (يُجْبى) بالفوقانية والتحتانية (إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) من كل أوب (رِزْقاً) لهم (مِنْ لَدُنَّا) أي عندنا (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٧) أن ما
____________________________________
(سلام متاركة) أي إعراض وفراق لا سلام تحية. قوله : (لا نصحبهم) الأوضح أن يقول : لا نطلب صحبتهم. قوله : (ونزل في حرصه) الخ ، وذلك أنه لما احتضرته الوفاة ، جاءه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : «يا عم قل لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله ، فقال : يا ابن أخي ، قد علمت أنك لصادق ، ولكني أكره أن يقال جزع عند الموت ، ولو لا أن يكون عليك وعلى بني أبيك غضاضة بعدي لقلتها ، ولأقررت بها عينك عند الفراق ، لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك ، ثم أنشد :
ولقد علمت بأن دين محمد |
|
من خير أديان البرية دينا |
لو لا الملامة أو حذار مسبة |
|
لوجدتني سمحا بذاك مبينا |
ولكني سوف أموت على ملة الأشياخ : عبد المطلب وهاشم وبني عبد مناف ثم مات ، فأتى علي ابنه للنبي صلىاللهعليهوسلم وقال له : عمك الضال قد مات ، فقال له : اذهب فواره» وما تقدم من أنه لم يؤمن حتى مات هو الصحيح ، وقيل : إنه أحيي وأسلم ثم مات ، ونقل هذا القول عن بعض الصوفية. قوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) أي لا تقدر على هدايته. إن قلت : إن بين هذه الآية وآية (إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) تناف. أجيب : بأن المنفي هنا خلق الاهتداء ، والمثبت هناك الدلالة على الدين القويم. قوله : (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي فسلم أمرك لله ، فإنه أعلم بأهل السعادة وأهل الشقاوة ، ولا يبالي بأحد. قوله : (أي قومه) أي وهم بعض أهل مكة ، كالحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف ، فإنه أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال له : إنا نعلم أنك على الحق ، ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب ، أن يتخطفونا من أرضنا. قوله : (الْهُدى) أي وهو دين الإسلام.
قوله : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) أي نجعل مكانهم حرما ذا أمن ، وعدي بنفسه لأنه بمعنى جعل ، يدل عليه الآية الأخرى وهي : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً). قوله : (يأمنون فيه) أشار بذلك إلى أن في الكلام مجازا عقليا. قوله : (تجبى) أي تحمل وتساق. قوله : (بالفوقانية والتحتانية) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) مجاز عن الكثرة كقوله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) قال بعض العارفين : من يتعلق ببيت الله الحرام ويسعى إليه ، فهو من خيار الخلق ، لقوله في الآية : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ). قوله : (من كل أوب) أي ناحية وطريق وجهة. قوله : (رِزْقاً) إما بمعنى مرزوقا ، فيكون منصوبا على الحال من ثمرات ، أو باق على مصدريته ، فيكون مفعولا مطلقا مؤكدا لمعنى يجبى ، أي نرزقهم رزقا. قوله : (أن ما نقوله حق) قدره إشارة إلى أن مفعول (يَعْلَمُونَ) محذوف.