حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ) مصيبه وهو الجنة (كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) فيزول عن قريب (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (٦١) النار ، الأول المؤمن ، والثاني الكافر ، أي لا تساوي بينهما (وَ) اذكر (يَوْمَ يُنادِيهِمْ) الله (فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٦٢) هم شركائي (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) بدخول النار وهم رؤساء الضلالة (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا) هم مبتدأ وصفة (أَغْوَيْناهُمْ) خبره فغووا (كَما غَوَيْنا) لم نكرههم على الغي (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) منهم
____________________________________
وليس المراد من ذلك ترك الدنيا رأسا والخروج عنها بالمرة ، بل المراد لا يجعلها أكبر همه ولا مبلغ علمه ، وإنما يطلب الدنيا ليستعين بها على خدمة ربه ، لتكون مزرعة لآخرته ، لما في الحديث : «نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح» فالمضر شغل القلب والنية السوء. قوله : (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أن الباقي خير من الفاني) قدره إشارة إلى أن مفعول يفعلون محذوف ، واستفيد منه أن عقل الناس المشتغلون بطاعة الله ، الذين اختاروا الباقي على الفاني ، ومن هنا قال الإمام الشافعي رضي الله عنه : من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس ، صرف إلى المشتغلين بطاعة الله تعالى. قوله : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ) الخ ، من مبتدأ ، وجملة (وَعَدْناهُ) صلتها ، وقوله كمن وعدناه الخ ، خبر المبتدأ ، والمعنى أيستوي من وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه ، بمن انهمك في طلب الفاني ، حتى صار يوم القيامة من المحضرين للعذاب ، فهو نظير قوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ). قوله : (مصيبة) أي مدركه لا محالة ، لأن وعده لا يتخلف. قوله : (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي المشوب بالأكدار. قوله : (الأول) أي وهو من (وَعَدْناهُ) والثاني وهو من (مَتَّعْناهُ). قوله : (أي لا تساوي بينهما) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي.
قوله : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي المشركين الذين عبدوا غير الله على لسان ملائكة العذاب ، أو النداء من الله لهم والمنفي في آية (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) كلام الرضا والرحمة ، فلا ينافي أنه يكلمهم كلام غضب وسخط. قوله : (فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ) تفسير للنداء. قوله : (تَزْعُمُونَ) (شركائي) أشار بذلك إلى أن مفعولي تزعمون محذوفان. قوله : (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) كلام مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر تقديره ما ذا قالوا؟ وجواب هذا السؤال : أنه حصل التنازع والتخاصم بين الرؤساء والأتباع فقال الأتباع : إنهم أضلونا ، وقال الرؤساء (رَبَّنا هؤُلاءِ) الخ ، فهو بمعنى قوله تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) الخ ، وبمعنى (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ) الخ. قوله : (حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي ثبت وتحقق وهو قوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). قوله : (وهم رؤساء الضلال) أي الذين أطاعوهم في كل ما أمروهم به ونهوهم عنه.
قوله : (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا) الخ ، اسم الإشارة مبتدأ ، والموصول نعته ، و (أَغْوَيْنا) صلته ، والعائد محذوف قدره المفسر ، و (أَغْوَيْناهُمْ) خبره ، وصح الإخبار به لتقييده بقوله : (كَما غَوَيْنا) ففيه زيادة فائدة على الصلة ، والمعنى تسببنا لهم في الغي ، فقبلوا منا ولم يتبعوا الرسل وما أنزل