مواطنهم (سامِراً) حال أي جماعة يتحدثون بالليل حول البيت (تَهْجُرُونَ) (٦٧) من الثلاثي تتركون القرآن ، ومن الرباعي أي تقولون غير الحق في النبي والقرآن ، قال تعالى (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا) أصله يتدبروا فأدغمت التاء في الدال (الْقَوْلَ) أي القرآن الدال على صدق النبي (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) (٦٨) (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (٦٩) (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) الاستفهام فيه للتقرير بالحق من صدق النبي ومجيء الرسل للأمم الماضية ومعرفة رسولهم بالصدق والأمانة وأن لا جنون به (بَلْ) للانتقال (جاءَهُمْ بِالْحَقِ) أي القرآن المشتمل على التوحيد وشرائع الإسلام (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) (٧٠) (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُ) أي القرآن (أَهْواءَهُمْ) بأن جاء بما يهوونه من الشريك والولد لله تعالى عن ذلك (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) أي خرجت عن نظامها المشاهد لوجود التمانع في الشيء عادة عند تعدد الحاكم (بَلْ أَتَيْناهُمْ
____________________________________
السمر وهو الحديث ليلا. قوله : (حال) المناسب للمفسر أن يقول احوال ، ويؤخره عن قوله : (تَهْجُرُونَ) لأن الأحوال ثلاثة (مُسْتَكْبِرِينَ) و (سامِراً) ، و (تَهْجُرُونَ). قوله : (أي جماعة) أشار بذلك إلى أن (سامِراً) اسم جمع واحده مسامر. قوله : (من الثلاثي) أي مأخوذ من الهجران وهو الترك ، أو من هجر هجرا بالتحريك هذى وتكلم بما لا يعقله. قوله : (ومن الرباعي) أي مأخوذ من الإهجار ، وهو الفحش في الكلام.
قوله : (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة عليه ، والتقدير أعموا فلم يدبروا ، وهذا شروع في بيان اقدامهم على هذه الضلالات ، لا بد أن يكون لأحد أمور أربعة أحدها أن لا يتأملوا في دليل نبوته وهو القرآن المعجز ، مع أنهم تأملوا وظهرت لهم حقيقته. ثانيها : أن يعتقدوا أن بعثة الرسول أمر غريب ، لم تسمع ولم ترد عن الأمم السابقة ، وليس كذلك ، لأنهم عرفوا أن الرسل كانت ترسل إلى الأمم. ثالثها : أن لا يكونوا عالمين بأمانته وصدقه قبل ادعاء النبوة ، وليس كذلك ، بل سبقت لهم معرفة كونه في غاية الأمانة والصدق. رابعها : أن يعتقدوا فيه الجنون ، وليس كذلك ، لأنهم كانوا يعلمون أنه أعقل الناس. وسيأتي خامس في قوله : (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً) وأم في المواضع الأربعة مقدرة ببل الانتقالية ، وهمزة الاستفهام التقريري ، وهو حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه. قوله : (من صدق النبي) الخ ، بيان للحق على طبق الآية ، على سبيل اللف والنشر المرتب.
قوله : (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِ) أي القرآن وغيره فهو أعم من الحق الأول ، ولذا أظهر في مقام الإضمار وأشار بقوله : (وَأَكْثَرُهُمْ) إلى أن الأقل لم يدم على كراهة الحق ، بل رجع عن كفره وآمن. قوله : (عادة) المناسب أن يقول عقلا ، لأن وجود الشريك يقضي بفساد العالم عقلا لا عادة. قوله : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) اضراب انتقال ، والمعنى كيف يكرهون الحق ، مع أن القرآن أتاهم بتشريفهم وتعظيمهم؟ فاللائق بهم الانقياد له وتعظيمه ، والعامة على قصر (أَتَيْناهُمْ) وقرىء بالمد بمعنى أعطينا ، وحينئذ فالباء إما زائدة وذكرهم مفعول ثان ، أو المفعول محذوف ، وقرىء بالقصر مع تاء المتكلم أو تاء المخاطب ،