(وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) تسر قلوبهم من الكفر وغيره (وَما يُعْلِنُونَ) (٦٩) بألسنتهم من ذلك (وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى) الدنيا (وَالْآخِرَةِ) الجنة (وَلَهُ الْحُكْمُ) القضاء
____________________________________
و (كانَ) فعل ناقص ، والجار والمجرور خبرها مقدم ، و (الْخِيَرَةُ) اسمها مؤخر ، والجملة مستأنفة ، فالوقف على بختار ، والمعنى ليس للخلق جميعا الاختيار في شيء ، لا ظاهرا ولا باطنا ، بل الخيرة لله تعالى في أفعاله ، لما في الحديث القدسي : «يا عبدي أنت تريد ، وأنا أريد ، ولا يكون إلا ما أريد ، فإن سلمت لي ما أريد أعطيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي ما أريد أتعبتك فيما تريد ، ولا يكون إلا ما أريد» وإنما خص المفسر المشركين بذلك مراعاة لسبب النزول ، ويصح أن تكون (ما) مصدرية ، وما بعدها مؤول بمصدر ، والمعنى يختار اختيارهم فيه ، ويصح أن تكون موصولة والعائد محذوف ، والتقدير ويختار الذي لهم فيه الاختيار ، وحينئذ فلا يصح الوقف على يختار ، والأول أظهر ، فالواجب على الإنسان ، أن يعتقد أنه لا تأثير لشيء من الكائنات في شيء أبدا ، وإنما يظهر على أيدي الخلق أسباب عادية يمكن تخلفها.
قوله : (سُبْحانَ اللهِ) أي تنزيها له عما لا يليق به. قوله : (من الكفر وغيره) أي كالإيمان ، فيجازي الكافر بالخلود في الجنة. قوله : (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) أي هو مستحق للثناء بالجميل في الدنيا والجنة ، لأنه لا معطي للنعم فيهما ، إلا هو سبحانه تعالى ، فالمؤمنون يحمدونه في الجنة بقولهم : الحمد لله الذي صدقنا وعده ، الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، كما حمدوه في الدنيا ، لكن الحمد لله في الدنيا مكلفون به ، وأما في الآخرة فهو تلذذ لانقطاع التكليف بالموت. قال العلماء : لا ينبغي لأحد أن يقدم على أمر من أمور الدنيا والآخرة ، حتى يسأل الله تعالى الخيرة في ذلك ، وذلك بأن يصلي ركعتين صلاة الاستخارة ، يقرأ في الركعة الأولى بعد أم القرآن (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) الآية ، وفي الثانية (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الآية ، ثم يدعو بالدعاء الوارد في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها ، كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : «إذا هم أحدكم بالأمر ، فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علّام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، أو قال في عاجل أمري وآجله ، فاقدره لي ويسره لي ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، أو قال في عاجل أمري وآجله ، فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به ، قال : ويسمي حاجته». وروي عن أنس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال له : «يا أنس إذا هممت بأمر ، فاستخر ربك فيه سبع مرات ، ثم انظر إلى ما يسبق إلى قلبك واعمله ، فإن الخير فيه» انتهى ، فإن لم يكن يحفظ الشخص هاتين الآيتين فليقرأ (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) والإخلاص ، فإن لم يكن يحفظ هذا الدعاء فليقرأ : اللهم خر لي ، واختر لي ، كما روي عن عائشة عن أبي بكر رضي الله عنهما. واعلم أن هذه الكيفية هي الواردة في الحديث الصحيح ، وأما الاستخارة بالمنام أو بالمصحف أو السبحة ، فليس واردا عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولذا كرهه العلماء وقالوا : إنه نوع من الطيرة.
قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ) الخ (أَرَأَيْتُمْ) ، و (جَعَلَ) تنازعا في الليل ، أعمل الثاني