صالِحاً) مما أوتي قارون في الدنيا (وَلا يُلَقَّاها) أي الجنة المثاب بها (إِلَّا الصَّابِرُونَ) (٨٠) على
____________________________________
قوله : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) قال أهل العلم بالأخبار والسير : كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون ، وأقرأهم للتوراة ، وأجملهم وأغناهم ، وكان حسن الصوت ، فبغى وطغى واعتزل بأتباعه ، وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما ، وهو يؤذيه في كل وقت ، ولا يزيد إلا عتوا وتجبرا ومعاداة لموسى ، حتى بنى دارا ، وجعل بابها من الذهب ، وضرب على جدرانها صفائح الذهب ، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون ، ويطعمهم الطعام ، ويحدثونه ويضاحكونه ، قال ابن عباس : فلما نزلت الزكاة على موسى ، أتاه قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار واحد ، وعن كل ألف درهم على درهم ، وعن كل ألف شاة على شاة ، وكذلك سائر الأشياء ثم رجع إلى بيته فحسبه ، فوجده شيئا كثيرا فلم تسمح نفسه بذلك ، فجمع بني إسرائيل وقال لهم : إن موسى قد أمركم بكل شيء ، فأطعتموه وهو يريد أن يأخذ أموالكم ، قالت بنو إسرائيل : أنت كبيرنا فمرنا بما شئت ، قال : آمركم أن تأتونا بفلانة الزانية ، فنجعل لها جعلا ، على أن تقذف موسى بنفسها ، فإذا فعلت ذلك ، خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه ، فدعوها فجعل لها قارون ألف دينار وألف درهم ، وقيل جعل لها طشتا من ذهب ، وقيل قال لها قارون : أموّلك وأخلطك بنسائي ، على أن تقذفي موسى بنفسك غدا ، إذا حضر بنو إسرائيل ، فلما كان من الغد ، جمع قارون بني إسرائيل ، ثم أتى إلى موسى فقال له : إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم ، فخرج إليهم موسى ، وهم في براح من الأرض ، فقام فيهم فقال : يا بني إسرائيل ، من سرق قطعنا يده ، ومن افترى جلدناه ثمانين ، ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة ، ومن زنى وله امرأة رجمناه حتى يموت. قال قارون : وإن كنت أنت؟ قال : وإن كنت أنا. قال : فإن بني إسرائيل ، يزعمون أنك فجرت بفلانة الزانية ، قال موسى : ادعوها ، فلما جاءت قال لها موسى : يا فلانة ، أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء؟ وعظم عليها وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة إلا صدقت ، فتداركها الله بالتوفيق فقالت في نفسها : أحدث توبة أفضل من أن أؤذي رسول الله ، فقالت : لا والله ، ولكن جعل لي قارون جعلا ، على أن أقذفك بنفسي ، فخر موسى ساجدا يبكي ، وقال : اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي ، فأوحى الله إليه إني أمرت الأرض أن تطيعك ، فمرها بما شئت ، فقال موسى : يا بني إسرائيل ، إن الله بعثني إلى قارون ، كما بعثني إلى فرعون ، فمن كان معه فليثبت مكانه ، ومن كان معي فليعتزل ، فاعتزلوا ، فلم يبق مع قارون إلا رجلان ، قال موسى : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم الأرض بأقدامهم ، ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى الركب ، ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم الأرض إلى أوساطهم ، ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى الأعناق ، وأصحابه في كل ذلك يتضرعون إلى موسى ، ويناشده قارون الله والرحم ، حتى قيل إنه ناشده سبعين مرة ، وموسى في ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه ، ثم قال : يا أرض خذيهم ، فانطبقت عليهم. قال قتادة : خسفت به ، فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل ، لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة. وفي الخبر : إذا وصل قارون إلى قرار الأرض السابعة ، نفخ إسرافيل في الصور ، وأصبحت بنو إسرائيل يتحدثون فيما بينهم : إن موسى إنما دعا على قارون ، ليستبد بداره وكنوزه وأمواله ، فدعا الله موسى حتى خسف بداره وكنوزه وأمواله الأرض ، قال بعضهم : مقتضى هذا الحديث ، أن الأرض لا تأكل جسمه ، فيمكن أن يلغز ويقال لنا : كافر لا يبلى جسده بعد الموت وهو قارون. قوله :