لأقوال العباد (الْعَلِيمُ) (٥) بأفعالهم (وَمَنْ جاهَدَ) جهاد حرب أو نفس (فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) فإن منفعة جهاده له لا لله (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٦) الإنس والجن والملائكة وعن عبادتهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) بعمل الصالحات (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ) بمعنى حسن نصبه بنزع الخافض الباء (الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٧) وهو الصالحات (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) أي إيصاء ذا حسن بأن يبرهما (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما
____________________________________
مجرى الدم والنفس أخته ، ولا تغيب عن الإنسان أبدا ، وهي خفية تظهر المحبة لصاحبها ، بخلاف العدو من الكفار ، وأيضا إذا قتله الكافر كان شهيدا ، وأما إذا قتلته نفسه ، فإما عاص أو كافر ، فلا شك أن جهاد النفس ، أكبر من جهاد الكفار ، ولذا ورد في الحديث أنه قال بعد رجوعه من الجهاد : «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» قيل : يا رسول الله ، وأي جهاد أكبر من هذا؟ قال : «جهاد النفس والشيطان».
قوله : (فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) أي فلا تمنوا بطاعتكم وخدمتكم على ربكم فالفضل له في توفيقكم لعبادته ، فالحصر إضافي فلا ينافي أنه ينتفع غيره بجهاده ، كما ينتفع الآباء بصلاح الأولاد ، فالمقصود نفي النفع عن الله لاستحالته عليه. قوله : (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) أي فلا يصل منهم نفع ولا ضر لما في الحديث القدسي : «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئا».
قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) الخ ، مبتدأ خبره الجملة القسمية ، وهذا وعد حسن للمتصفين بالإيمان. قوله : (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) أي لا نؤاخذهم بها ، وهذا ظاهر في غير المعصومين ، وأما المعصومون فلا سيئات لهم ، فما معنى تكفيرها؟ أجيب : بأن الكلام على الفرض والتقدير ، يعني لو وجدت منهم سيئات تكفر ، أو المراد بالسيئات خلاف الأولى على حسب مقامهم ، ومن هنا قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله : (بمعنى حسن) أي فاسم التفضيل ليس على بابه ، لأنه يوهم أنهم يجازون على الأحسن لا على الحسن ، وقد يقال : المراد بالأحسن الثواب الواقع في مقابلة الأعمال الصالحة ، فالمعنى عليه حينئذ نضاعف لهم الثواب في نظير أعمالهم الصالحة فتأمل.
قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) سبب نزولها هي وآية لقمان والأحقاف ، أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، أحد العشرة المبشرين بالجنة ، والسابقين إلى الإسلام ، لما أسلم آلت أمه حمنة بنت أبي سفيان ، أن لا تأكل ولا تشرب ولا تستظل بسقف ، حتى تموت أو يكفر سعد بمحمد ، فأبى سعد أن يطيعها ، فصبرت ثلاثة أيام ، لا تأكل ولا تشرب ولا تستظل ، حتى غشي عليها ، فأتاها وقال لها : والله لو كان لك مائة نفس ، فخرجت نفسا نفسا ، ما كفرت بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فإن شئت فكلي ، وإن شئت فلا تأكلي ، فلما رأت ذلك أكلت ، فنزلت الآية بالوصية عليها ، وإنما أمر الله الأولاد ببر والديهم دون العكس ، لأن الأولاد جبلوا على القسوة وعدم طاعة الوالدين ، فكلفهم الله بما يخالف طبعهم ، والآباء مجبولون على الرحمة والشفقة بالأولاد ، فوكلهم لما جبلوا عليه. قوله : (أي إيصاء ذا حسن) أشار بذلك إلى أن حسنا