يَعْلَمُونَ) (٤١) ذلك ما عبدوها (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما) بمعنى الذي (يَدْعُونَ) يعبدون بالياء والتاء (مِنْ دُونِهِ) غيره (مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ) في ملكه (الْحَكِيمُ) (٤٢) في صنعه (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) في القرآن (نَضْرِبُها) نجعلها (لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها) أي يفهمها (إِلَّا الْعالِمُونَ) (٤٣) المتدبرون (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي محقّا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) دالة على قدرته تعالى (لِلْمُؤْمِنِينَ) (٤٤) خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بها في الإيمان بخلاف الكافرين (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) القرآن (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) شرعا أي من شأنها ذلك ما دام المرء فيها (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) من غيره من الطاعات (وَاللهُ يَعْلَمُ ما
____________________________________
قوله : (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ) أي ما أوحاه الله اليك بنزول جبريل ، والمعنى تقرب إلى الله بتلاوته وترداده أنت وأمتك ، لأن فيه محاسن الآداب ومكارم الأخلاق. قوله : (مِنَ الْكِتابِ) بيان لما. قوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) أي دم على إقامتها ، بأركانها وشروطها وآدابها ، فإنها عماد الدين ، من أقامها فقد أقام الدين ، ومن هدمها هدم الدين ، والخطاب للنبي والمراد هو وأمته ، بدليل مدحهم في آية : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) الآية.
قوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) أي المواظبة عليها ، تكون سببا في تطهيره عن الفحشاء والمنكر ، إذا استوفيت شروطها وآدابها ، لأن الواجب حين الاقبال على الصلاة ، التطهير من الحدث الحسي والمعنوي وتجديد التوبة ، فإذا وقف بين يدي الله ، وخشع وتذكر أنه واقف بين يدي مولاه ، وأنه مطلع عليه يراه ، فحينئذ يظهر على جوارحه هيئتها ، وقوله : (ما دام المرء فيها) هذا أحد قولين ، والقول الصحيح أنها تنهى عنها في سائر الأوقات ، لما روي أن فتى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم لا يدع شيئا من الفواحش إلا ارتكبه ، فوصف للنبي صلىاللهعليهوسلم حاله فقال : إن صلاته ستنهاه ، فلم يلبث أن تاب وحسن حاله. وروي عن بعض السلف ، أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه ، فكلم في ذلك فقال : إني واقف بين يدي الله تعالى ، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا ، فكيف مع ملك الملوك ، وأما من صلاته بخلاف ذلك ، بأن كانت لا خشوع فيها ولا تذكر ، فإنها لا تكون سببا في نهيه عن الفحشاء والمنكر ، بل يستمر على ما هو عليه من البعد ، لما ورد : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، لم تزده من الله إلا بعدا.
قوله : (وَلَذِكْرُ اللهِ) أي بسائر أنواعه أكبر ، أي أفضل الطاعات على الإطلاق ، لما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم ، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ذكر الله. وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال : الذاكرون الله كثيرا ، قالوا : يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ فقال : لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله كثيرا أفضل منه درجة. فالذكر أفضل الأعمال ، وهو المقصود من تلاوة القرآن ومن الصلاة ، ولذا ورد عن الجنيد أنه