تَصْنَعُونَ) (٤٥) فيجازيكم به (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي) أي المجادلة التي (هِيَ أَحْسَنُ) كالدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) بأن حاربوا وأبوا أن يقروا بالجزية ، فجادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية (وَقُولُوا) لمن قبل الإقرار بالجزية إذا أخبروكم بشيء مما في كتبهم (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) ولا تصدقوهم ولا تكذبوهم في ذلك (وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٤٦) مطيعون (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) القرآن كما أنزلنا إليهم التوراة وغيرها (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) التوراة كعبد الله بن سلام وغيره (يُؤْمِنُونَ بِهِ) بالقرآن (وَمِنْ هؤُلاءِ) أي أهل مكة (مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) بعد ظهورها (إِلَّا الْكافِرُونَ) (٤٧) أي اليهود ، وظهر لهم أن القرآن حق ، والجائي به محق ، وجحدوا ذلك (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ) القرآن (مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً) أي لو كنت قارئا كاتبا
____________________________________
كان يأتيه العصاة يريدون التوبة على يديه ، فيلقنهم الذكر ويأمرهم بالإكثار منه فتنور قلوبهم. قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) أي من خير وشر فيجازيكم عليه.
قوله : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي لا تدعوهم إلى دين الله إلا بالكلام اللين المعروف والإحسان لعلهم يهتدون ، وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي فادعوهم إلى دين الله بالإغلاظ والشدة ، وقاتلوا حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، فهذه الآية بمعنى قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية ، وعلى هذا التقدير فالآية محكمة وهو التحقيق. قوله : (بأن حاربوا) الخ ، أشار بذلك إلى أن المراد بالظلم الامتناع مما يلزمهم شرعا فلا يقال إن الكل ظالمون لأنهم كفار. قوله : (يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) أي يلتزموا بإعطائها.
قوله : (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) أي لما روي أنه كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) الآية» ، وفي رواية : «وقولوا آمنا بالله وبكتبه وبرسله فإن قالوا باطلا لم تصدقوهم وإن قالوا حقا لم تكذبوهم». ومحل ذلك ما لم يتعرضوا لأمور توجب نقض عهدهم ، كأن يظهروا أن شرعهم غير منسوخ ، وأن نبينا غير صادق فيما جاء به ، وغير ذلك ، فحينئذ نقاتلهم ، ومحله أيضا ما لم يخبرونا بخبر موافق لما في كتابنا ، وإلا فيجب تصديقهم من حيث إن الله أخبرنا به.
قوله : (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي نفعناهم به ، بأن أعطيناهم نوره ، وظهرت ثمرته عليهم ، وهم الذي يؤمنون به ، وإلا فجميع علمائهم أوتوا الكتاب ، ولم يسلم منهم إلا القليل ، ويصح أن يكون المراد : (ففريق من أهل الكتاب) الخ. قوله : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) أي ينكرها بعد معرفتها. قوله : (أي اليهود) لا مفهوم له بل النصارى والمشركون ، كذلك فالمناسب أن يقول : إلا الكافرون كاليهود.
قوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ) شروع في اثبات الدليل على أن القرآن من عند الله وأنه معجز