الإقامة وتعديته إلى غرفا بحذف في (مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ) مقدرين الخلود (فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (٥٨) هذا الأجرهم (الَّذِينَ صَبَرُوا) أي على أذى المشركين والهجرة لإظهار الدين (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٥٩) فيرزقهم من حيث لا يحتسبون (وَكَأَيِّنْ) كم (مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) لضعفها (اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) أيها المهاجرون وإن لم يكن معكم زاد ولا نفقة (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالكم (الْعَلِيمُ) (٦٠) بضمائركم (وَلَئِنْ) لام قسم (سَأَلْتَهُمْ) أي الكفار (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٦١) يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) يوسعه (لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) امتحانا (وَيَقْدِرُ) يضيق (لَهُ) بعد البسط ، أي لمن يشاء ابتلاء (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٦٢) ومنه محل البسط والتضييق (وَلَئِنْ) لام القسم (سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ) فكيف يشركون به (قُلِ) لهم (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على ثبوت الحجة عليكم (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٦٣) تناقضهم في ذلك (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) وأما القرب فمن أمور الآخرة لظهور ثمرتها فيها (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) بمعنى الحياة (لَوْ
____________________________________
لا تدخره لغد كالبهائم والطير ، قال سفيان بن عيينة : ليس شيء من الخلق يخبأ إلا الإنسان والفأرة والنملة. قوله : (اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) أي فلا فرق بين الحريص والمتوكل والضعيف والقوي في أمر الرزق ، بل ذلك بتقدير الله سبحانه وتعالى ، قال الله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) فينبغي للإنسان أن يفوض أمر الرزق له تعالى ، ولا ينافي هذا أخذه في الأسباب ، لأن الله تعالى أوجد الأشياء عند أسبابها لا بها ، فالأسباب لا تنكر ، ومن أنكرها فقد ضل وخسر. قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي كفار مكة. قوله : (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الخ ، أتى في جانب السماوات والأرض بالخلق ، وفي جانب الشمس والقمر بالتسخير ، إشارة إلى أن الحكمة في خلقهما التسخير الذي ينشأ عنه الليل والنهار ، اللذان بهما قوام العالم بخلاف السماوات والأرض ، فالنفع في مجرد خلقهما. قوله : (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) الاستفهام للتوبيخ. قوله : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) أي فلا تركن لغيره ، فليس مالكا لضر ولا نفع. قوله : (فَأَحْيا بِهِ) أي النبات الناشىء عن الماء. قوله : (مِنْ بَعْدِ مَوْتِها) أي جدبها وقحط أهلها. قوله : (فكيف يشركون به) أي بعد إقرارهم. قوله : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) أي والأقل يعقل ، ومن عقل منهم اهتدى وآمن. قوله : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا) أشار بذلك إلى أن الدنيا حقيرة لا تزن جناح بعوضة ، فينبغي للعاقل التجافي عنها ، ويأخذ منها بقدر ما يوصله للآخرة ، قال بعض العارفين :
تأمل في الوجود بعين فكر |
|
ترى الدنيا الدنية كالخيال |
ومن فيها جميعا سوف يفنى |
|
ويبقى وجه ربك ذو الجلال |
قوله : (إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) اللهو الاشتغال بما فيه نفع عاجل ، واللعب الاشتغال بما لا نفع فيه