كانُوا يَعْلَمُونَ) (٦٤) ذلك ما آثروا الدنيا عليها (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي الدعاء ، أي لا يدعون معه غيره لأنهم في شدة لا يكشفها إلا هو (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (٦٥) به (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) من النعمة (وَلِيَتَمَتَّعُوا) باجتماعهم على عبادة الأصنام ، وفي قراءة بسكون اللام أمر تهديد (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٦٦) عاقبة ذلك (أَوَلَمْ يَرَوْا) يعلموا (أَنَّا جَعَلْنا) بلدهم مكة (حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) قتلا وسبيا دونهم (أَفَبِالْباطِلِ) الصنم (يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) (٦٧) بإشراكهم (وَمَنْ) أي لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بأن أشرك به (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ) النبي أو الكتاب (لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً) مأوى (لِلْكافِرِينَ) (٦٨) أي فيها ذلك وهو منهم (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) في حقنا (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي طرق السير إلينا (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٦٩) المؤمنين بالنصر والعون.
____________________________________
أصلا. قوله : (وأما القرب) أي كالتوحيد والذكر والعبادة. قوله : (بمعنى الحياة) أي الدائمة الخالدة التي لا زوال فيها. قوله : (ما آثروا الدنيا عليها) جواب لو ، أي ما قدموا لذة الدنيا على الآخرة. قوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) الخ ، أي وذلك لأن الكفار كانوا إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام ، فإذا اشتدت الريح ، ألقوها في البحر وقالوا : يا رب يا رب ، ودعوا الله مخلصين حالة الكرب. قوله : (إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) جواب لما ، والمعنى عادوا إلى شركهم لأجل كفرهم بما أعطاهم الله ، وتلذذهم بأعراض الدنيا ، فلم يقابلوا النعم بالشكر بخلاف المؤمنين. قوله : (لِيَكْفُرُوا) اللام لام العاقبة والصيرورة ، وقوله : (وَلِيَتَمَتَّعُوا) عطف عليه. قوله : (وفي قراءة بسكون اللام) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أمر تهديد) أي في الفعلين ، بدليل الوعيد المرتب عليهما بقوله : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) فالحاصل أنه إذا سكنت اللام في الثاني ، تعين كونها للأمر في الفعلين ، وإن لم تسكن كانت في الفعلين للعاقبة والصيرورة.
قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) الهمزة داخلة على محذوف ، والواو عاطفة عليه ، والتقدير أعموا ولم يروا ، الخ. قوله : (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ) الجملة حالية على تقدير المبتدأ ، أي وهم يتخطف ، الخ. قوله : (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) قال المفسرون : إن هذه الآية نزلت قبل الأمر بالجهاد لكونها مكية ، وحينئذ فالمراد بالجهاد فيها جهاد النفس ، قال الحسن : الجهاد مخالفة الهوى ، وقال الفضيل بن عياض : والذين جاهدوا في طلب العلم ، لنهدينهم سبل العمل به ، وقال سهل بن عبد الله : والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا. وقيل : الذين جاهدوا فيما علموا ، لنهدينّهم إلى ما لم يعلموا ، لما في الحديث : «من عمل بما علم علمه الله علم ما لم يعلم» ، قوله : (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي طرق الموصول إلى مرضاتنا ، فالطريق هي العمل بالأحكام الشرعية ، وثمرتها الحقيقة وهي العلوم والمعارف المشار اليها بقوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً). قوله : (لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) فيه إقامة الظاهر مقام المضمر ، لإظهار شرفهم بوصف الإحسان ، والمعنى وإن الله لمعهم بالعون والنصر والمحبة ، فهي معية خاصة ، واليها الاشارة بقوله صلىاللهعليهوسلم في الحديث القدسي : «فإذا أجبته كنت سمعه الذي يسمع به» الحديث.