للمسلمين : نحن نغلبكم كما غلبت فارس الروم (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) أي أقرب أرض الروم إلى فارس بالجزيرة ، التقى فيها الجيشان ، والبادىء بالغزو الفرس (وَهُمْ) أي الروم (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) أضيف المصدر إلى المفعول ، أي غلبة فارس إياهم (سَيَغْلِبُونَ) (٣) فارس (فِي بِضْعِ سِنِينَ) هو ما بين الثلاث إلى التسع أو العشر ، فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء
____________________________________
ظهر اخواننا من أهل فارس على اخوانكم من الروم ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم ، فأنزل الله هذه الآيات ، فخرج أبو بكر الصديق إلى كفار مكة فقال : فرحتم بظهور إخوانكم فلا تفرحوا ، فو الله لتظهرن الروم على فارس ، أخبرنا بذلك نبينا صلىاللهعليهوسلم ، فقام إليه أبي بن خلف الجمحي ، وقال : كذبت ، فقال له الصديق : أنت أكذب يا عدو الله ، فقال : اجعل أجلا أنا حبك ، أي أقامرك وأراهنك عليه ، فراهنه على عشر قلائص منه ، وعشر قلائص من الآخر فقال أبي : إن ظهرت الروم على فارس غرمت ذلك ، وإن ظهرت فارس على الروم غرمت لي ، ففعلوا ، وجعلوا الأجل ثلاث سنين ، فجاء أبو بكر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره بذلك ، وكان ذلك قبل تحريم القمار ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع ، فزايده في الخطر ، ومادده في الأجل ، فخرج أبو بكر فلقي أبيا فقال : لعلك ندمت؟ فقال : لا ، قال : فتعال أزايدك في الخطر ، وأماددك في الأجل ، فأجعلها مائة قلوص ، ومائة قلوص إلى تسع سنين ، وقيل إلى سبع سنين ، فقال : قد علمت ، فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة ، أتاه ولزمه وقال : إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم لي كفيلا ، فكفله ابنه عبد الله بن أبي بكر ، فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد ، أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه وقال : لا والله ، لا ادعك حتى تعطيني كفيلا ، فأعطاه كفيلا ثم خرج إلى أحد ، ثم رجع أبي بن خلف إلى مكة ومات بها من جراحته التي جرحه النبي صلىاللهعليهوسلم إياها حين بارزه ، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية ، وذلك على رأس سبع سنين من مناحبتهم ، وقيل يوم بدر ، وربطت الروم خيولهم بالمدائن ، وبنوا بالعراق مدينة وسموها رومية ، فأخذ أبو بكر مال الخطر من ورثته وجاء به إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وذلك قبل أن يحرم القمار ، فقال له النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم : تصدق به. قوله : (وهم من أهل كتاب) أي نصارى ، فنصرتهم علامة على نصرة النبي وأصحابه ، وقوله : (وليسوا أهل الكتاب) أي بل هم مجوس ، فنصرتهم علامة على نصر كفار مكة ، فكل حزب بما لديهم فرحون. قوله : (بل يعبدون الأوثان) أي التي من جملتها النار. قوله : (وقالوا للمسلمين) الخ ، هذا هو حكمة ذكر تلك الواقعة. قوله : (أقرب أرض الروم) أي فأدنى أفعل تفضيل ، وأل عوض عن المضاف اليه. قوله : (بالجزيرة) المراد بها ما بين دجلة والفرات ، وليس المراد بها جزيرة العرب.
قوله : (وَهُمْ) مبتدأ ، وجملة (سَيَغْلِبُونَ) خبره. قوله : (فِي بِضْعِ سِنِينَ) متعلق بيغلبون وهو على حذف مضاف ، أي في انتهاء بضع سنين ، وأبهم البضع لإدخال الرعب والخوف عليهم في كل وقت. قوله : (فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول) أي يوم بدر ، وإن كانت الواقعة الأولى قبل الهجرة بخمس سنين ، أو يوم الحديبية إن كانت الأولى قبل الهجرة بسنة ، والمراد بالجيشين جيش كسرى