(بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) أي عقوبته (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٤١) يتوبون (قُلْ) لكفار مكة (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) (٤٢) فأهلكوا بإشراكهم ، ومساكنهم ومنازلهم خاوية (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) دين الإسلام (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) هو يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) (٤٣) فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد ، يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) وبال كفره وهو النار (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) (٤٤) يوطئون منازلهم في الجنة (لِيَجْزِيَ) متعلق بيصدعون (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ) يثيبهم (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) (٤٥) أي يعاقبهم (وَمِنْ آياتِهِ) تعالى (أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) بمعنى لتبشركم بالمطر (وَلِيُذِيقَكُمْ) بها (مِنْ رَحْمَتِهِ) المطر والخصب (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) السفن بها (بِأَمْرِهِ) بإرادته (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) تطلبوا الرزق بالتجارة في البحر (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٤٦) هذه النعم يا أهل مكة فتوحدونه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالحجج الواضحات على صدقهم في رسالتهم إليهم فكذبوهم (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) أهلكنا الذين كذبوهم (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ
____________________________________
قَبْلُ) أي وهي الدمار والهلاك إن لم يتوبوا ، وكذلك يحل بكفار مكة إن لم يتوبوا ، قال تعالى : (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ).
قوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والمراد هو وأمته ، والمعنى ابذل همتك في دين الإسلام واشتغل به ولا تحزن عليهم. قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ) أي وأما بعد مجيئه فلا ينفع العامل عمله ، بل كل إنسان يلقى جزاء ما عمله قبل ذلك ، قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ). قوله : (مِنَ اللهِ) متعلق بيأتي. قوله : (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) التنوين عوض عن جملة أي يوم إذ يأتي هذا اليوم. قوله : (فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد) أي فأصله يتصدعون ، أبدلت التاء صادا وأدغمت في الصاد. قوله : (يتفرقون بعد الحساب) أي عند سماع قوله تعالى : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ). قوله : (وبال كفره) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله : (يوطئون منازلهم) أي فالأعمال الصالحة في الدنيا بها تهيؤ المنازل في الجنة. قوله : (متعلق بيصدعون) أي والتقدير يتفرقون ليجزي الذين آمنوا من فضله ، والذين كفروا بعدله. قوله : (الرِّياحَ) أي الشمال والصبا والجنوب ، فإنها رياح الرحمة ، وأما الدبور فهي ريح العذاب ، يدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسّلام : «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا». قوله : (وَلِيُذِيقَكُمْ) عطف على (مُبَشِّراتٍ) كأنه قال : لتبشركم وليذيقكم. قوله : (مِنْ رَحْمَتِهِ مِنْ) تبعيضية أي بعض رحمته. قوله : (يا أهل مكة) خصهم لأنهم سبب نزول الآية ، وأما فالعبرة بعموم اللفظ.
قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً) هذه الآيات معترضة بين الآيات المنفصلة والمفصلة ، لأن قوله : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) تفصيل لقوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ) وحكمة ذلك