وعدهم الله ذلك وحقه حقا (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغلبه شيء فيمنعه من إنجاز وعده ووعيده (الْحَكِيمُ) (٩) الذي لا يضع شيئا إلا في محله (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) أي العمد جمع عماد وهو الأسطوانة ، وهو صادق بأن لا عمد أصلا (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) جبالا مرتفعة (أَنْ) لا (تَمِيدَ) تتحرك (بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا) فيه التفات عن الغيبة (مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (١٠) صنف حسن (هذا خَلْقُ اللهِ) أي مخلوقه (فَأَرُونِي) أخبروني يا أهل مكة (ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) غيره أي آلهتكم حتى أشركتموها به تعالى ، وما استفهام إنكار مبتدأ ، وذا بمعنى الذي بصلته خبره ، وأروني معلق عن العمل ، وما بعده سد مسد المفعولين (بَلِ) للانتقال (الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١١) بيّن بإشراكهم وأنتم منهم (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) منها : العلم والديانة والإصابة في القول ، وحكمه كثيرة مأثورة ،
____________________________________
الله ذلك وعدا وحقه حقا. قوله : (الذي لا يغلبه شيء) أي لا يقهره أحد.
قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ) إلخ ، هذا دليل على أنه عزيز حكيم ، لا يمنعه أحد عن إنجاز وعده ووعيده. قوله : (أي العمد) أشار بذلك إلى أن جملة (تَرَوْنَها) صفة لعمد. قوله : (جمع عماد) أي كأهب جمع إهاب. قوله : (الإسطوانة) بضم الهمزة وهي السارية. قوله : (وهو صادق) إلخ ، أي لأن السالبة تصدق بنفي الموضوع وهو المراد هنا ، ويصح أن يراد الشق الثاني ، وهو أن يكون لها عمد لا ترى ، وهي قدرة الله تعالى. قوله : (رَواسِيَ) أي ثوابت. قوله : (جبالا مرتفعة) قال ابن عباس : هي سبعة عشر جبلا منها : ق وأبو قبيس والجودي ولبنان وطور سينين. قوله : (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) قدر المفسر لام التعليل ولا النافية ، إشارة إلى أن حكمة تثبيت الأرض بالجبال ، عدم تحركها بأهلها. قوله : (وَبَثَّ فِيها) أي نشر ، وقوله : (مِنْ كُلِّ دابَّةٍ مِنْ) زائدة. قوله : (فيه التفات) أي من الغيبة إلى التكلم ، زيادة في التبكيت وإلزام الحجة.
قوله : (هذا خَلْقُ اللهِ) أي ما ذكر من السماوات والأرض وما فيهما. قوله : (استفهام إنكار) وتوبيخ وتقريع. قوله : (معلق على العمل) أي في اللفظ ، وأما في المحل فهو عامل النصب. قوله : (سد مسد المفعولين) ظاهره أن أروني تنصب ثلاثة مفاعيل ، الياء وجملة الاستفهام التي سدت مسد الثاني والثالث ، وهذا غير ما ذكروه من أن أرى إن كان بمعنى أخبر ، فإنها تتعدى لمفعولين : الأول مفرد صريح ، والثاني جملة الاستفهام ، فالمناسب للمفسر أن يقول : سدت مسد الثاني. قوله : (للانتقال) أي من تبكيتهم إلى الإخبار بتقبيح الظالمين عموما.
قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) اختلف في لقمان ، فقيل اسم عجمي ممنوع الصرف للعلمية والعجمة ، وقيل عربي ومنع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون ، واختلف فيه أيضا ، فقيل هو لقمان بن فاغور بن ناخور بن تارخ وهو آزر ، فعلى هذا هو ابن ابن أخي ابراهيم الخليل عليهالسلام ، وقيل كان ابن أخت أيوب ، وقيل كان ابن خالته ، يقال إنه عاش ألف سنة حتى أدرك داود ، واتفق العلماء على أنه كان حكيما ولم يكن نبيا ، إلا عكرمة والشعبي فقالا بنبوته ، وقيل خيّر بين النبوة والحكمة فاختار