كان يفتي قبل بعثة داود ، وأدرك بعثته وأخذ عنه العلم وترك الفتيا ، وقال في ذلك : ألا أكتفي إذا كفيت؟ وقيل له : أي الناس شر؟ قال : الذي لا يبالي إن رآه الناس مسيئا (أَنِ) أي وقلنا له أن (اشْكُرْ لِلَّهِ) على ما أعطاك من الحكمة (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأن ثواب شكره له (وَمَنْ كَفَرَ) النعمة (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ) عن خلقه (حَمِيدٌ) (١٢) محمود في صنعه (وَ) اذكر (إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَ) تصغير إشفاق (لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ) بالله (لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١٣)
____________________________________
الحكمة ، وروي أنه كان نائما في وسط النهار ، فنودي يا لقمان ، هل لك أن نجعلك خليفة في الأرض ، فتحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوت فقال : إن خيرني ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء ، وإن عزم علي فسمعا وطاعة ، فإني أعلم أن الله تعالى ، إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني ، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم : لم يا لقمان؟ قال : إن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها ، يغشاه المظلوم من كل مكان ، إن عدل نجا ، وإن أخطأ الطريق أخطأ طريق الجنة ، ومن يكن في الدنيا ذليلا ، خير من أن يكون شريفا ، ومن يختر الدنيا على الآخرة ، تفتنه الدنيا ولم يصب الآخرة ، فعجبت الملائكة من حسن منطقه ، فنام نومه فأعطي الحكمة ، فانتبه وهو يتكلم بها ، ثم نودي بها داود بعده فقبلها ، وكان لقمان يؤازر داود لحكمته ، وقيل كان خياطا ، وقيل كان راعي غنم ، فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال : ألست فلانا الراعي؟ قال : بلى ، قال : فيم بلغت ما بلغت؟ قال : بصدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما يعنيني. قوله : (منها العمل والديانة) أي فالحكمة هي العلم والعمل ، ولا يسمى الرجل حكيما حتى يجمعها ، وقيل الحكمة المعرفة والأمانة ، وقيل هي نور في القلب ، يدرك به الأشياء كما تدرك بالبصر. قوله : (وحكمه كثيرة) قال وهب : تكلم لقمان باثني عشر ألف باب من الحكمة ، أدخلها الناس في كلامهم. قوله : (وقال في ذلك) أي في شأن الاعتذار عن ترك الفتيا. قوله : (وقلنا له أن) (اشْكُرْ) إلخ ، أشار بذلك إلى أن أن زائدة ، وجملة (أَنِ اشْكُرْ) مقول القول ، والأنسب (أن) تفسيرية لتقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه. قوله : (ما أعطاك من الحكمة) أي فهي نعمة يجب الشكر عليها بصرفها في مصارفها. قوله : (وَمَنْ يَشْكُرْ) إلخ ، تعليل للأمر بالشكر. قوله : (محمود في صنعه) أي فهو حقيق بأن يحمد من دون المخلوقات.
قوله : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ) أي واسمه ثاران وقيل مشكم وقيل أنعم ، قيل كان ابنه وامرأته كافرين ، فما زال يعظهما حتى أسلما ، قيل وضع لقمان جرابا من خردل إلى جنبه ، وجعل يعظ ابنه موعظة موعظة ، ويخرج خردلة خردلة ، فنفد الخردل فقال : يا بني وعظتك موعظة لو وعظتها جبلا لتفطر ، فتفطر ابنه ومات. قوله : (وَهُوَ يَعِظُهُ) الجملة حالية. قوله : (يا بُنَيَ) بكسر الياء وفتحها قراءتان سبيعتان. قوله : (اشفاق) أي محبة. قوله : (فرجع إليه) أي إلى دين أبيه وهو الإسلام ، وقال أيضا : يا بني اتخذ تقوى الله تعالى تجارة ، يأتك الربح من غير بضاعة ، يا بني احضر الجنائز ولا تحضر العرس ، فإن الجنائز تذكرك الآخرة ، والعرس يشهيك الدنيا. يا بني لا تكن أعجز من هذا الديك الذي يصوت بالأسحار ، وأنت نائم على فراشك. يا بني لا تؤخر التوبة ، فإن الموت يأتي بغتة. يا بني لا ترغب في ود الجاهل ، فيرى أنك ترضى عمله. يا بني اتق الله ولا تر الناس أنك تخشى ، ليكرموك بذلك وقلبك فاجر ، يا بني ما ندمت على الصمت قط ، فإن الكلام إذا كان من فضة ، كان السكوت من ذهب. يا بني اعتزل الشر كما يعتزلك ، فإن الشر للشر خلق. يا بني عليك بمجالس العلماء ، واستمع كلام الحكماء ، فإن الله تعالى يحيي