فرجع إليه وأسلم (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) أمرنا أن يبرهما (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ) فوهنت (وَهْناً عَلى وَهْنٍ) أي ضعفت للحمل ، وضعفت للطلق ، وضعفت للولادة (وَفِصالُهُ) أي فطامه (فِي عامَيْنِ) وقلنا له (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (١٤) أي المرجع (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) موافقة للواقع (فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) أي
____________________________________
القلب الميت بنور الحكمة ، كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر ، فإن من كذب ذهب ماء وجه ، ومن ساء خلقه كثر غمه ، ونقل الصخور من موضعها أيسر من إفهام من لا يفهم ، يا بني لا ترسل رسولك جاهلا ، فإن لم تجد حكيما فكن رسول نفسك. يا بني لا تنكح أمة غيرك ، فتورث بنيك حزنا طويلا. يا بني يأتي على الناس زمان لا تقر فيه عين حليم. يا بني اختر المجالس على عينك ، فإذا رأيت المجلس يذكر فيه الله عزوجل فاجلس معهم ، فإنك إن تك عالما ينفعك علمك ، وإن تك غبيا يعلموك ، وإن يطلع الله عزوجل عليهم برحمة تصبك معهم. يا بني لا تجلس في المجلس الذي لا يذكر فيه الله عزوجل ، فإنك إن تكن عالما لا ينفعك علمك ، وإن تك غبيا يزيدوك غباوة ، وإن يطلع الله عليهم بعد ذلك بسخط يصبك معهم. يا بني لا يأكل طعامك إلا الأتقياء ، وشاور في أمرك العلماء. يا بني إن الدنيا بحر عميق ، وقد غرق فيه ناس كثير ، فاجعل سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الإيمان بها ، وشراعها التوكل على الله ، لعلك أن تنجو. يا بني إني حملت الجندل والحديد ، فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء ، وذقت المرارة كلها ، فلم أذق أشد من الفقر ، يا بني إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك. يا بني لا تتعلم ما لا تعلم ، حتى تعمل بما تعلم. يا بني إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه قبل ذلك ، فإن أنصفك عند غضبه وإلا فاحذره. يا بني إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة ، فدار أنت إليها تسير ، أقرب من دار أنت عنها ترحل. يا بني عود لسانك أن يقول : اللهم اغفر لي ، فإن لله ساعات لا ترد. يا بني إياك والدين ، فإنه ذل النهار وهم الليل. يا بني أرج الله رجاء لا يجرئك على معصيته ، وخف الله خوفا لا يؤيسك من رحمته. إلى غير ذلك من المواعظ المأثورة عنه عليهالسلام.
قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) إلخ ، هاتان الآيتان نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص كما تقدم ، فهما معترضتان بين كلامي لقمان ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فأل في الإنسان للجنس. قوله : (أن يبرهما) أي يحسن إليهما. قوله : (فوهنت) قدر الفعل اشارة إلى أن (وَهْناً) مفعول مطلق ، والأحسن جعله حالا من أمة أي ذات وهن. قوله : (عَلى وَهْنٍ) صفة لوهنا أي ضعفا كائنا على ضعف ، والمراد التوالي لا خصوص وهنين بدليل قول المفسر (أي ضعفت للحمل) إلخ. قوله : (أي فطامه) أي ترك رضاعه. قوله : (فِي عامَيْنِ) أي في انقضائهما.
قوله : (أَنِ اشْكُرْ لِي) أن يحتمل أنها مفسرة لجملة (وَصَّيْنَا) أو مصدرية. قوله : (أي المرجع) أي فأجازي المحسن على إحسانه ، والمسيء على إساءته. قوله : (موافقة للواقع) أي فلا مفهوم له ، وهو جواب عما يقال : إن الشريك مستحيل على الله تعالى ، فربما يتوهم وجود الشريك له به علم. قوله : (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا) أي أمورها التي لا تتعلق بالدين. قوله : (أي بالمعروف) أشار بذلك إلى أنه منصوب بنزع الخافض.