يعزم عليها لوجوبها (وَلا تُصَعِّرْ) وفي قراءة تصاعر (خَدَّكَ لِلنَّاسِ) لا تمل وجهك عنهم تكبرا (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أي خيلاء (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) متبختر في مشيه (فَخُورٍ) (١٨) على الناس (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) توسط فيه بين الدبيب والإسراع ، وعليك السكينة والوقار (وَاغْضُضْ) اخفض (مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ) أقبحها (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (١٩) أوله زفير ، وآخره شهيق (أَلَمْ تَرَوْا) تعلموا يا مخاطبين (أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ) من الشمس والقمر والنجوم لتنتفعوا بها (وَما فِي الْأَرْضِ) من الثمار والأنهار والدواب (وَأَسْبَغَ) أوسع وأتم (عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً) هي حسن الصورة وتسوية الأعضاء وغير ذلك
____________________________________
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ). قوله : (التي يعزم عليها لوجوبها) أي تحتمها على المكلفين ، فلا ترخيص في تركها.
قوله : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) الصعر بفتحتين في الأصل ، داء يصيب البعير يلوي عنقه ، ثم استعمل في ميل العنق وانقلاب الوجه إلى أحد الشدقين ، لأجل الفخر على الناس ، والمراد لا تتكبر فتحتقر الناس ، ولا تعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. قوله : (وفي قراءة تصاعر) أي وهما سبعيتان ومعناهما واحد. قوله : (أي خيلاء) أي عجبا وتكبرا ، قال تعالى : (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً). قوله : (فَخُورٍ) (على الناس) أي لظنه أن نعمة الله أسبغت عليه لاستحقاقه إياها ، فتكبر بها على الناس. قوله : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) لما أمره أولا بحسن الباطن ، أمره ثانيا بحسن الظاهر ، ليجمع له في وصيته بين كمال الظاهر والباطن. قوله : (بين الدبيب) أي وهو ضعيف المشي جدا ، قال الشاعر :
زعمتني شيخا ولست بشيخ |
|
إنما الشيخ من يدب دبيبا |
قوله : (والإسراع) أي وهي قوة المشي وهي مذمومة لما ورد : سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن. إن قلت : ورد في الحديث : كنا نجهد أنفسنا خلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيقتضي أنه كان يسرع في مشيه. أجيب بأنه صلىاللهعليهوسلم في نفسه مشية متوسطة ، وبالنسبة للصحابة هو أعلى مشيا منهم ، لما في الحديث المقتدم : وهو غير مكترث كأن الأرض تطوى له. قوله : (مِنْ صَوْتِكَ) يحتمل أن (مِنْ) تبعيضية ، أو الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمحذوف ، أي شيئا من صوتك. قوله : (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) أي هذا الجنس لما فيه من العلو المفرط من غير حاجة ، فإن كل حيوان يصيح من ثقل أو تعب أو غير ذلك ، والحمار يصيح لغير سبب ، وصياح كل شيء تسبيح لله تعالى ، إلا الحمار. إن قلت : إن دق النحاس بالحديد أشد صوتا من الحمير. أجيب : بأن الصوت الشديد لحاجة يتحمله العقلاء ، بخلاف الصوت الخالي عن الثمرة والفائدة ، وهو صوت الحمار. قوله : (أوله زفير) أي صوت قوي ، وقوله : (وآخره شهيق) أي صوت ضعيف ، وهما صفة أهل النار.
قوله : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ) إلخ ، رجوع لما سبق من خطاب المشركين والرد عليهم. قوله : (يا مخاطبين) القياس بالواو لأنه منادى مفرد ، وهو مبني على ما يرفع به ، إلا أن يقال : إنه نكرة غير مقصودة فهو منصوب. قوله : (نِعَمَهُ) إما بالجمع فظاهرة وباطنة حالان ، أو الإفراد بتاء التأنيث نكرة فهما نعتان لها ، وهما قراءتان سبعيتان. قوله : (هي حسن الصورة) إلخ ، وقيل الظاهرة نعمة الدنيا ،