يَهْتَدُونَ) (٣) بإنذارك (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أولها الأحد ، وآخرها الجمعة (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) وهو في اللغة سرير الملك ، استواء يليق به (ما لَكُمْ) يا كفار مكة (مِنْ دُونِهِ) أي غيره (مِنْ وَلِيٍ) اسم ما بزيادة من أي ناصر (وَلا شَفِيعٍ) يدفع عذابه عنكم (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (٤) هذا فتؤمنون (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) مدة الدنيا
____________________________________
ابطاليا لقوله ، كأنه قيل ليس هو كما قالوا ، بل هو الحق ، وقولهم كل ما في القرآن من الإضراب انتقالي يحمل على غير هذا ، والمعنى أن القرآن محصور في الحق ، لا يخرج عنه لغيره ، واستفيد الحصر من الجملة المعرفة الطرفين.
قوله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً) هو فعل بنصب مفعولين ، الأول قوما ، والثاني محذوف قدره المفسر بقوله : (به) وقدره غيره العقاب. قوله : (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) جعل المفسر الجملة منفية صفة لقوما ، واختلف في القوم فقيل : المراد بهم العرب ، لأنهم أمة لم يأتهم نذير قبل محمد صلىاللهعليهوسلم ، وتكون هذه الآية بمعنى قوله تعالى : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) وقيل المراد بهم أهل الفترة ، الذين كانوا قبل عيسى ومحمد عليهماالسلام ، فيشمل بني آدم برمتهم. قوله : (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) الترجي بالنسبة له صلىاللهعليهوسلم ، والمعنى لتنذر قوما راجيا لاهدائهم لا آيسا منه. قوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) مبتدأ وخبر ، وهو شروع في ذكر أدلة توحيده سبحانه وتعالى. قوله : (أولها الأحد وآخرها الجمعة) أي على سبيل التوزيع ، فخلق الأرض أولا في الأحد والاثنين وخلق ما فيها في الثلاثاء والأربعاء ، وخلق السماوات في الخميس والجمعة ، وفي ذلك إشكال ، وهو أن الأيام لم تكن معروفة إذ ذاك ، فضلا عن تسميتها ، لعدم وجود الشمس والأفلاك التي بها تعرف الأيام. وأجيب : بأن المراد في مقدار ستة أيام ، كائنة في علمه تعالى ، بحيث تكون عند ظهورها لنا ، أولها الأحد ، وآخرها الجمعة ، ومقتضى هذا ، أنها كأيام الدنيا وبه قال الحسن ، وقال ابن عباس والضحاك : اليوم منها مقداره ألف سنة. قوله : (سرير الملك) أي ومنه قال نكروا لها عرشها ، والمراد به هنا الجسم النوراني المحيط بالعالم كله. قوله : (استواء يليق به) هذه إشارة لطريق السلف الذين يؤمنون بالمتشابه ، ويفوضون علمه لله تعالى ، وهو أسلم ، ولذا سلكه المفسر ، وطريقة الخلف يؤولون الاستواء بالاستيلاء والقهر ، إذ هو أحد معنى الاستواء ، ومنه قول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
وتقدم الكلام في هذا غير مرة. قوله : (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ) هذا نتيجة ما قبله ، أي فحيث ثبت أنه الخالق للسماوات والأرض وما بينهما ، وهو المالك للعرش وما حوى ، فلا ولي ولا شفيع غيره. قوله : (يا كفار مكة) خصهم لأنهم سبب نزول الآية ، وإلا فالعبرة بعموم اللفظ. قوله : (اسم ما) أشار بذلك إلى أن (ما) حجازية ، و (وَلِيٍ) اسمها مؤخر ، و (مِنْ دُونِهِ) خبرها مقدم ، وفيه أن شرط أعمالها الترتيب وهو مفقود هنا ، إلا أن يقال : إنه مشى على قول ضعيف للنحويين من عدم اشتراطه في عملها ، والأحسن جعلها تميمية ، و (مِنْ دُونِهِ) خبر مقدم ، و (وَلِيٍ) مبتدأ مؤخر ، لأن القرآن لا ينبغي حمله على ضعيف. قوله : (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة عليه ، والتقدير أغفلتم فلا تتذكرون. قوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي الشأن ، والحال والمعنى يتصرف على طبق علمه وإرادته ، وهو القضاء والقدر المشار إليهما بقول الأجهوري :
إرادة الله مع التعلق |
|
في أزل قضاؤه فحقق |