حياء يقولون (رَبَّنا أَبْصَرْنا) ما أنكرنا من البعث (وَسَمِعْنا) منك تصديق الرسل فيما كذبناهم فيه (فَارْجِعْنا) إلى الدنيا (نَعْمَلْ صالِحاً) فيها (إِنَّا مُوقِنُونَ) (١٢) الآن فما ينفعهم ذلك ولا يرجعون ، وجواب لو رأيت أمرا فظيعا ، قال تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) فتهتدي بالإيمان والطاعة باختيار منها (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) وهو (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ) الجن (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١٣) وتقول لهم الخزنة إذا دخلوها (فَذُوقُوا) العذاب (بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أي بترككم الإيمان به (إِنَّا نَسِيناكُمْ) تركناكم في العذاب (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) الدائم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٤) من الكفر والتكذيب (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا) القرآن (الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا) وعظوا (بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا) متلبسين (بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي قالوا : سبحان الله وبحمده (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (١٥) عن الإيمان والطاعة (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ) ترتفع (عَنِ الْمَضاجِعِ)
____________________________________
قوله : (وَلَوْ تَرى) الخطاب لكل أحد ممن يصلح. قوله : (ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) أي خافضوها قوله : (وَسَمِعْنا) (منك تصديق الرسل) أي فيما أخبرونا به من الوعد والوعيد. قوله : (إِنَّا مُوقِنُونَ) (الآن) أي آمنا في الحال ، ويحتمل أن المعنى لم يقع منا الشرك كقولهم : والله ربنا ما كنا مشركين. قوله : (لرأيت أمرا فظيعا) أي شنيعا عجيبا. قوله : (هُداها) أي إيمانها. والمعنى لو أردنا خلق كل نفس على الإيمان والطاعة لفعلنا ذلك. قوله : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) أي ثبت وتقرر وعيدي. قوله : (مِنَ الْجِنَّةِ) قدمهم لأن دخول الجن النار أكثر من الإنس. قوله : (أي بترككم الإيمان) أشار بذلك إلى أن المراد بالنسيان الترك. قوله : (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) كرره لبيان مفعول ذوقوا الأول. قوله : (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي بسب عملكم.
قوله : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا) إلخ ، هذا تسلية له صلىاللهعليهوسلم على بقاء من كفر على كفره ، كأن الله يقول لنبيه صلىاللهعليهوسلم : لا تحزن فإن أهل الإيمان مجبولون على الاتعاظ بالقرآن ، وأهل الكفر مجبولون على عدم الاتعاظ به ، فالخلق فريقان في علم الله. قوله : (القرآن) استشكل ظاهر تلك الآية ، بأنه يقتضي مدح كل من سمع القرآن واتعظ به ، ويسجد له وإن لم يكن له موضع سجود. وأجيب : بأن السنة بينت مواضع السجود في القرآن ، فمدح المتعظين بالقرآن ، في كل آية الساجدين في مواضع السجود. قوله : (خَرُّوا سُجَّداً) أي على وجوههم تعظيما لآياته وامتثالا لأمره ، وخص السجود بالذكر ، لأنه غاية الذل والخضوع ، وهو لا يكون إلا لله ، وفعله لغيره كفر ، لأنه روح الصلاة وأعظم أركانها ، ولأنه يقرب العبد من الله تعالى لما في الحديث : «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد». قوله : (متلبسين) (بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي جمعوا في سجودهم ، بين التنزيه والحمد ، فالتنزيه حاصل بوضع الأعضاء على الأرض ، وبقولهم سبحان الله والحمد لله حاصل بقولهم وبحمده ، فالسجود يطلب فيه التسبيح والتحميد ، ويطلب فيه أيضا الدعاء ، وما ورد فيما يقال في سجدات القرآن : اللهم اكتب لي بها أجرا ، وضع عني بها وزرا ، واجعلها لي عندك ذخرا ، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليهالسلام. قوله : (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) أي لا يتكبرون ولا يأنفون.
قوله : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ) أسند التجافي للجنوب ، لأن الواعظ الذي يكون سببا في القيام للصلاة