مواضع الاضطجاع بفرشها لصلاتهم بالليل تهجدا (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً) من عقابه (وَطَمَعاً) في رحمته (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (١٦) يتصدقون (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ) خبىء (لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) ما تقرّ به أعينهم ، وفي قراءة بسكون الياء مضارع (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٧) (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) (١٨) أي المؤمنون والفاسقون (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً) هو ما يعدّ للضيف (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٩) (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا) بالكفر والتكذيب (فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا
____________________________________
ونحوها من جهة الجنوب وهو القلب ، فالإنسان إذا كان مشغولا بربه ، سلط عليه واعظ في قلبه يقلقه ، فيكون قليل النوم والهجوع ، قال تعالى : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) فإذا اضطجع قصد بذلك التقوى على القيام والخدمة ، وبالجملة فتكون جميع أفعاله دائرة بين الواجب والمندوب. قوله : (لصلاتهم بالليل) أي لما فيها من نور القلب ورضا الرب ، لما في الحديث : «ما زال جبريل يوصيني بقيام الليل ، حتى علمت أن خيار أمتي لا ينامون». قوله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ) أي لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ، فضلا عن غيرهم. والمعنى لا تعلم ذلك تفصيلا ، وإلا فنحن نعلمه إجمالا ، كالأشجار والأنهار والغرف والحور والولدان وغير ذلك ، لأن عطاء الجنة لا تحيط به العقول ، ففي الحديث : «لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها». قوله : (مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) أي سرورها وفرحها ، فلا يلتفتون لغيره. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (مضارع) أي والفاعل مستتر تقديره أنا ، ففي الحديث : «أعددت لعبادي الصالحين ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر». قوله : (جَزاءً) مفعول مطلق أو مفعول لأجله.
قوله : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً) إلخ ، سبب نزولها : أنه كان بين علي بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط تنازع ، فقال الوليد بن عقبة لعلي : اسكت فإنك صبي ، وأنا والله أبسط منك لسانا ، وأشجع منك جنانا ، وأملأ منك حشوا في الكتيبة ، فقال علي : اسكت فإنك فاسق. وهذه الآية بمعنى قوله تعالى : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ). قوله : (كَمَنْ كانَ فاسِقاً) أي كافرا. قوله : (لا يَسْتَوُونَ) أي في المآل ، وقد راعى المعنى فجمع ، لأن المراد الفريق في كل ، وروي أنه صلىاللهعليهوسلم كان يعتمد الوقف على قوله : (فاسِقاً) ويبتدىء بقوله : (لا يَسْتَوُونَ)
قوله : (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) تفصيل لما أجمل أولا. قوله : (نُزُلاً) أي مهيأة ومعدة لاكرامهم ، كما تهيأ التحف للضيف النازل بالكرام. قوله : (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي بسبب كونهم يعملون الصالحات.
قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا) لم يقل وعملوا السيئات ، إشارة إلى أن مجرد الكفر كاف في الخلود في النار ، فلا التفات إلى الأعمال معه ، وأما العمل الصالح ، فله مع الإيمان تأثير ، فلذا قرنه به. قوله : (فَمَأْواهُمُ النَّارُ) أي مسكنهم ومنزلهم. قوله : (كُلَّما أَرادُوا) إلخ ، بيان لكون النار مأواهم. روي أن النار تضربهم فيرتفعون إلى طبقاتها ، حتى إذا قربوا من بابها ، وأرادوا أن يخرجوا منها ، يضربهم لهبها