جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) من الكفار متحزبون أيام حفر الخندق (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) من الملائكة (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ) بالتاء من حفر الخندق ، وبالياء من تحزيب المشركين
____________________________________
في بلادنا ، ولا طاقة لنا بذلك من محمد ، فلما رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة ، قالت قريش وغطفان : تعلمون والله أن الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لحق ، فأرسلوا إلى بني قريظة إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا ، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا ، فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا : إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا ، فإن وجدوا فرصة انتهزوها ، وإن كان غير ذلك انتهزوا إلى بلادهم ، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلادكم ، فأرسلوا إلى قريش وغطفان ، إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا ، فأبوا عليهم ، وخذل الله عزوجل بينهم ، وبعث الله عليهم ريحا عاصفا ، وهي ريح الصبا ، في ليلة شديدة البرد والظلمة ، فقلعت بيوتهم ، وقطعت أطنابهم ، وكفأت قدورهم ، وصارت تلقي الرجل على الأرض ، وأرسل الله الملائكة فزلزلتهم ولم تقاتل ، بل نفثت في قلوبهم الرعب ، ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من يقوم فيذهب إلى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم» ، أدخله الله الجنة ، فما قام منا رجل ، ثم صلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم هويا من الليل ، ثم التفت الينا فقال مثله ، فسكت القوم ، وما قام منا أحد ، ثم صلى هويا من الليل ، ثم التفت الينا فقال مثله ، فسكت القوم ، وما قام منا أحد من شدة الخوف والجوع والبرد ، ثم قال : يا حذيفة ، فقلت : لبيك يا رسول الله وقمت حتى أتيته ، فأخذ بيدي ومسح رأسي ووجهي ثم قال : ائت هؤلاء القوم حتى تأتيني بخبرهم ، ولا تحدثن شيئا حتى ترجع إلي ، ثم قال : اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته ، فأخذت سهمي ثم انطلقت أمشي نحوهم ، كأنما أمشي في حمام ، فذهبت فدخلت في القوم ، وقد أرسل الله عليهم ريحا وجنودا لله تفعل بهم ما تفعل ، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء ، وأبو سفيان قاعد يصطلي ، فأخذت سهما فوضعته في كبد قوسي ، فأردت أن أرميه ، ولو رميته لأصبته ، فذكرت قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا تحدثن حدثا حتى ترجع ، فرددت سهمي في كنانتي ، فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريح وجنود الله بهم ، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء ، فقال يا معشر قريش ، ليأخذ كل منكم بيد جليسه فلينظر من هو ، فأخذت بيد جليسي فقلت : من أنت؟ فقال : سبحان الله ما تعرفني؟ أنا فلان بن فلان رجل من هوزان ، فقال أبو سفيان : يا معشر قريش ، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، فقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون ، فارتحلوا فإني مرتحل ، ثم قام إلى جمله وهو معقول ، فجلس عليه ثم ضربه فوثب على ثلاث ، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم ، وسمعت غطفان بما فعلت قريش ، فاستمروا راجعين إلى بلادهم ، قال : فرجعت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم كأني أمشي في حمام ، فأتيته وهو قائم يصلي ، فلما سلم أخبرته ، فضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل ، فلما أخبرته وفرغت قررت وذهب عني الدفأ ، فأتاني النبي صلىاللهعليهوسلم فأنامني عند رجليه ، وألقى علي طرف ثوبه ، وألصق صدري ببطن قدميه ، فلم أزل نائما حتى أصبحت ، فلما أصبحت قال : قم يا نومان.
قوله : (إِذْ جاؤُكُمْ) بدل من (نِعْمَةَ) والعامل (اذْكُرُوا). قوله : (متحزبون) أي مجتمعون ، وتقدم أنهم كانوا اثني عشر ألفا ، وكان المسلمون إذ ذاك ثلاثة آلاف ، والمنافقون من جملتهم. قوله : (رِيحاً) أي من الصبا التي تهب من المشرق ولم تتجاوزهم. قوله : (ملائكة) أي وكانوا ألفا ولم يقاتلوا ،