فخرّ ميتا (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) مصدر أرضت الخشبة بالبناء للمفعول ، أكلتها الأرضة (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) بالهمز وتركه بألف ، عصاه ، لأنها ينسأ ويطرد ويزجر بها (فَلَمَّا خَرَّ) ميتا (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) انكشف لهم (أَنْ) مخففة أي أنهم (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) ومنه ما غاب عنهم من موت سليمان (ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) (١٤) العمل الشاق لهم ، لظنهم حياته خلاف ظنهم علم الغيب ، وعلم كونه سنة ، بحساب ما أكلته الأرضية من العصا بعد موته يوما وليلة مثلا (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) بالصرف وعدمه ، قبيلة سميت باسم جد لهم من العرب (فِي مَسْكَنِهِمْ) باليمن (آيَةٌ) دالة على قدرة الله تعالى (جَنَّتانِ) بدل (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) عن يمين واديهم وشماله ، وقيل لهم (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) على ما رزقكم من النعمة
____________________________________
تتميم بناء بيت المقدس كما قيل ، فإن الصحيح أنه تم قبل موته بالزمن الطويل. قوله : (حتى أكلت الأرضة عصاه) فلما أكلتها أحبها الجن وشكروا لها ، فهم يأتونها بالماء والطين في خروق الخشب وقالوا : لو كنت تأكلين الطعام والشراب لأتيناك بهما. قوله : (مصدر أرضت الخشبة) أي أكلت ، فمعنى دابة الأرض دابة الأكل ، وهذا أحد وجهين ، والوجه الآخر أن المراد بالأرض المعروفة ، ونسبت لها لخروجها منها. قوله : (بالهمز) أي الساكن أو المفتوح ، فتكون القراءات ثلاثا سبعيات. قوله : (الشاق لهم) اللام بمعنى على ، وفي نسخة له أي لسليمان. قوله : (لظنهم حياته) علة لقوله : (ما لَبِثُوا). قوله : (وعلم كونه) إلخ ، إما بالبناء للمفعول ، أو مصدر مبتدأ خبره قوله : (بحساب) إلخ ، فتحصل أن الجن أرادوا أن يعرفوا وقت موته ، فوضعوا الأرضة على العصا ، فأكلت في يوم وليلة مقدارا ؛ فحسبوا على ذلك ، فوجدوه قد مات منذ سنة.
قوله : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) اللام موطئة لقسم محذوف ، أي والله لقد كان إلخ. و (لِسَبَإٍ) خبر (كانَ) مقدم ، و (آيَةٌ) اسمها مؤخر ، و (مَسْكَنِهِمْ) حال. قوله : (بالصرف وعدمه) أي وفي عدم الصرف قراءتان ، فتح الهمز وسكونها ، فالقراءات ثلاث. قوله : (سميت باسم جد لهم) أي وهو سبأ بن يشجب بجيم مضمومة ابن يعرب بن قحطان ، روي أن رجلا قال : يا رسول الله ، وما سبأ ، أرض أو امرأة قال : ليس بأرض ولا امرأة ، ولكنه رجل ولد عشرا من العرب ، فتيامن منهم ستة ، أي سكنوا اليمن ، وتشاءم منهم أربعة أي سكنوا الشام ، فأما الذين تشاءموا ، فلخم وجذام وغسان وعاملة ، وأما الذين تيامنوا : فالأزد والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار ، فقال رجل : يا رسول الله ، وما أنمار؟ قال : الذين منهم خثعم وبجيلة ، والمقصود من تلك القصة ، اتعاظ هذه الأمة المحمدية ، ليعتبروا ويشكروا نعمة الله عليهم ، وإلا يحل بهم ما حل بمن قبلهم. قوله : (فِي مَسْكَنِهِمْ) بالجمع كمساجد ، والإفراد إما بكسر الكاف أو فتحها ، ففيه ثلاث قراءات سبعيات. قوله : (باليمن) أي وكان بينها وبين صنعاء ثلاثة أيام. قوله : (دالة على قدرة الله) أي فإذا تأمل العاقل فيها ، استدل على باهر قدرته ، وأنه الخالق لجميع المخلوقات. قوله : (بدل) أي من آية التي هي اسم كان ، وصح إبدال المثنى من المفرد ، لأنه في قوة المتعدد ، وذلك أن الجنتين لما كانتا متماثلتين ، وكانت كل واحدة دالة على قدرة الله ، من غير انضمام غيرها لها ، صح جعلهما أي واحدة ، نظير قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً). قوله :