رَجُلٌ) هو حبيب النجار كان قد آمن بالرسل ، ومنزله بأقصى البلد (يَسْعى) يشتد عدوا لما سمع بتكذيب القوم الرسل (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) (٢٠) (اتَّبِعُوا) تأكيد للأول (مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) على رسالته (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٢١) فقيل له : أنت على دينهم فقال (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) خلقني ، أي لا مانع لي من عبادته الموجود مقتضيها وأنتم كذلك (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٢) بعد الموت فيجازيكم بكفركم (أَأَتَّخِذُ) في الهمزتين منه ما تقدم في (أأنذرتهم) وهو استفهام بمعنى النفي (مِنْ دُونِهِ) أي غيره (آلِهَةً) أصناما (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ)
____________________________________
قوله : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ) هي انطاكية المعبر عنها أولا بالقرية ، وعبر عنها بالمدينة ، إشارة إلى عظمها وكبرها. قوله : (هو حبيب النجار) أي ابن اسرائيل ، كان يصنع لهم الأصنام ، وهو ممن آمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم قبل وجوده ، كما آمن به تبع الأكبر ، وورقة بن نوفل وغيرهما ، وفي الحقيقة : كل نبي آمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم قبل ظهوره ، بمصداق قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) الآية ، وهذا من خصوصياته صلىاللهعليهوسلم ، وأما غيره من الأنبياء ، فلم يؤمن به أحد إلا بعد ظهوره. قوله : (كان قد آمن بالرسل) أي رسل عيسى ، وسبب إيمانه ما تقدم من شفاء ولده المريض ، وقيل : إنه هو كان مجذوما ، وعبد الأصنام سبعين سنة لكشف ضره فلم يكشف ، فلما دعاه الرسل إلى عبادة الله قال لهم : هل من آية؟ قالوا له : ندعو ربنا القادر ، يفرج عنك ما بك ، فقال : إن هذا عجيب ، قد عبدت هذه الأصنام سبعين سنة ، فلم تستطع تفريجه ، فهل يستطيع ربكم تفريجه في غداة واحدة؟ قالوا : نعم ، ربنا على كل شيء قدير ، فدعوا ربهم فكشف ما به فآمن. قوله : (يشتد عدوا) أي يسرع في مشيته ، حرصا على نصح قومه ، والدفع على الرسل. قوله : (تأكيد للأول) أي تأكيد لفظي ، فلفظ اتبعوا ، تأكيد للفظ اتبعوا الأول ، من توكيد الفعل بالفعل.
قوله : (مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) بدل من المرسلين ، والمعنى : اتبعوا الصادقين المخلصين ، الذين لم يريدوا منكم العرض الفاني ، إذا لو كانوا غير مخلصين ، لطلبوا منكم المال ، ونازعوكم على الرياسة. قوله : (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) الجملة حالية ، وهو تعريض لهم بالإتباع ، أي فاهتدوا أنتم تبعا لهم. قوله : (أنت على دينهم) فيه حذف همزة الاستفهام.
قوله : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) تلطف في ارشادهم ، وفيه نوع تقريع على ترك عبادة خالقهم ، والأحسن أن في الآية احتباكا ، حيث حذف من الأول ، نظير ما أثبته في الآخر ، والأصل : وما لي لا أعبد الذي فطرني وفطركم ، واليه ترجعون وأرجع. قوله : (الموجود مقتضيها) أي وهو كون الله فطره وخلقه. قوله : (في الهمزتين منه ما تقدم) أي من القراءات الأربع ، وتقدم أنها خمسة : التحقيق ، وتسهيل الثانية بألف ، ودونها ، وإبدال الثانية ألفا ، وهي سبعيات. قوله : (هو استفهام بمعنى النفي) أي وهو انكاري. قوله : (مِنْ دُونِهِ) يصح أن يكون مفعولا ثانيا مقدما لاتخذوا ، على أنها متعدية لاثنين ، و (آلِهَةً) مفعول أول مؤخر ، ويصح أن يكون حالا من آلهة ، أو متعلقا باتخذوا ، على أنها متعدية لواحد. قوله : (لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ) أي لا تنفعني شفاعتهم ، فهو من الغناء بالفتح وهو النفع ، ومنه قول البوصيري : قلن ما في اليتيم عنا غناء. قوله : (صفة آلهة) أي جملة (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ) إلخ ، فهو في