شدة التألم ونداؤها مجاز أي هذا أو إنك فاحضري (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٣٠) مسوق لبيان سببها ، لاشتماله على استهزائهم المؤدي إلى إهلاكهم المسبب عنه الحسرة (أَلَمْ يَرَوْا) أي أهل مكة القائلون للنبي : لست مرسلا ، والاستفهام للتقرير أي علموا (كَمْ) خبرية بمعنى كثيرا معمولة لما بعدها ، معلقة لما قبلها عن العمل ، والمعنى أنا (أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ) كثيرا (مِنَ الْقُرُونِ) الأمم (أَنَّهُمْ) أي المهلكين (إِلَيْهِمْ) أي المكذبين (لا يَرْجِعُونَ) (٣١) أفلا يعتبرون بهم؟ وأنهم الخ ، بدل مما قبله برعاية المعنى المذكور (وَإِنْ) نافية أو مخففة (كُلٌ) أي كل الخلائق مبتدأ (لَمَّا) بالتشديد بمعنى إلا ، أو بالتخفيف ، فاللام فارقة ، وما زائدة (جَمِيعٌ) خبر المبتدأ ، أي مجموعون (لَدَيْنا) عندنا في الموقف بعد بعثهم (مُحْضَرُونَ) (٣٢)
____________________________________
الكفار ، والتقدير : يا حسرة علينا من مخالفة العباد ، والأوجه الأول الذي مشى عليه المفسر. قوله : (إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) الجملة حالية من مفعول (يَأْتِيهِمْ). قوله : (مسوق) إلخ. أي فهو استئناف واقع في جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل : ما وجه التحسر عليهم؟ قيل : (ما يَأْتِيهِمْ) إلخ. قوله : (لبيان سببها) أي بواسطة ، فإن الاستهزاء سبب لأهلاكهم ، وهو سبب للحسرة. قوله : (لاشتماله) أي دلالته.
قوله : (أَلَمْ يَرَوْا) إلخ ، رأى علمية ، و (كَمْ) خبرية مفعول لأهلكنا مقدم ، و (قَبْلَهُمْ) ظرف لأهلكنا ، و (مِنَ الْقُرُونِ) بيان لكم. قوله : (والاستفهام للتقرير) أي وهو حمل المخاطب على الإقرار بما بعد النفي. قوله : (معمولة لما بعدها) أي وليست معمولة ليروا ، لأن (كَمْ) الخبرية لها الصدارة ، فلا يعمل ما قبلها فيها. قوله : (معلقة ما قبلها عن العمل). إن قلت : إن (كَمْ) الخبرية لا تعلق ، وإنما التعلق للاستفهامية ، قال ابن مالك :
وإن ولا لام ابتداء أو قسم |
|
كذا والاستفهام ذا له انحتم |
أجيب : بأن الخبرية أجريت مجرى الاستفهامية في التعليق. قوله : (والمعنى أنا) (أَهْلَكْنا) أي وقد علموا ذلك. قوله : (بدل مما قبله) أي بدل اشتمال ، لأن إهلاكهم مشتمل ومستلزم لعدم رجوعهم ، أو بدل كل من كل ، بناء على تنزيل التلازم منزلة التماثل ، كأن إهلاكهم غير رجوعهم. قوله : (برعاية المعنى المذكور) أي وهو قوله : (أنا) (أَهْلَكْنا) إلخ ، والمعنى : قد علموا إهلاكنا كثيرا من القرون السابقة ، المشتمل على عدم عودهم إلى هؤلاء الباقين وهم أهل مكة ، فينبغي أن يعتبروا بهم. قوله : (نافية) أي و (لَمَّا) بالتشديد بمعنى إلا ، وقوله : (أو مخففة) أي مهملة ، ولما بالتخفيف واللام فارقة. قوله : (وما زائدة) للتأكيد ، فقد أغنت عن الحصر المستفاد من قراءة التشديد ، فتحصل أن من شدد (لَمَّا) جعلها بمعنى إلا ، و (إِنْ) نافية ، وهذا باتفاق البصريين والكوفيين ، ومن خفف (لَمَّا) فالبصريون على أن (إِنْ) مخففة ، واللام فارقة ، وما زائدة ، وجوز الكوفيون جعل (لَمَّا) بمعنى إلا ، و (إِنْ) نافية ، والقراءتان سبعيتان. قوله : (أي كل الخلائق) أشار بذلك إلى أن التنوين عوض عن المضاف إليه. قوله : (أي مجموعون) دفع بذلك ما يتوهم من ذكر كل الاستغناء بها عن الجميع ، فأجاب : بأن (كُلٌ) أشير بها لاستغراق الأفراد ، و (جَمِيعٌ) أشير بها لاجتماع الكل في مكان واحد للحشر.