ألتمسه ، وحملوا هودجي «هو ما يركب فيه» على بعيري يحسبونني فيه ، وكانت النساء خفافا إنما يأكلن العلقة «هو بضم المهملة وسكون اللام من الطعام أي القليل» ووجدت عقدي ، وجئت بعدما ساروا ، فجلست في المنزل الذي كنت فيه ، وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إلي ، فغلبتني عيناي فنمت ، وكان صفوان قد عرس من وراء الجيش فأدلج. هما «بتشديد الراء والدال» أي نزل من آخر الليل للاستراحة ، فسار منه فأصبح في منزله ، فرأى سواد إنسان نائم ، أي شخصه ، فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، أي قوله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فخمرت وجهي بجلبابي ، أي غطيته بالملاءة ، والله ما كلمني بكلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حين أناخ راحلته ووطىء على يدها ، فركبتها ،
____________________________________
قبلها ، وقد مكث شهرا لا يوحى اليه في شأني شيء ، قالت : فتشهد ثم قال : يا عائشة إنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب ، فاستغفري الله وتوبي اليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب ، تاب الله عليه ، فلما قصى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مقالته قلص دمعي ، أي انقطع جريانه حتى ما أحس منه بقطرة وقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما قال : قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قالت : وأنا جارية حديثة السن لا اقرأ كثيرا من القرآن فقلت : إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث به الناس ، ووقر في أنفسكم وصدقتم به ، ولئن قلت لكم إني بريئة ، والله يعلم إني لبريئة لا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر ، والله يعلم إني لبريئة لتصدقنني ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلى أبا يوسف إذ قال : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) ثم تحوّلت فاضطجعت على فراشي ، وأنا أرجو أن يبرئني الله ، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحي ، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيّ اليوم رؤيا يبرئني الله بها ، فو الله ما رام أن برح مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت ، حتى أنزل عليه الوحي ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء أو الشدة والكرب ، حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان ، أي اللؤلؤ من العرق في يوم شات ، فلما سري أي كشف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال : يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله ، فقالت أمي : قومي لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقلت : والله لا أقوم اليه ولا أحمد إلا الله ، فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) الآيات. فلما أنزل الله هذا في براءتي ، قال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح بن اثاثة لقرابته منه : والله لا أنفق على مسطح بشيء أبدا بعد ما قال في عائشة ، فأنزل الله عزوجل : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) الآية إلى قوله : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) فقال أبو بكر : بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال : يا زينب ما علمت ما رأيت؟ فقالت : يا رسول الله احمي سمعي وبصري ، والله ما علمت عليها إلا خيرا ، قالت : وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع. انتهى.